في مثل هذه الأيام من شهر سبتمبر 2005 استكمل جيش الاحتلال خروجه من داخل القطاع وأنداك هللت واحتفلت الفصائل وعلى رأسها حركة حماس بما اعتبرته انتصارا للمقاومة على الاحتلال وإجباره على الانسحاب من غزة وزعمت أنها حررت قطاع غزة. والآن وبعد تسعة عشر سنة يعود جيش العدو ليحتل القطاع في حرب إبادة جماعية سبقتها أربعة حروب وحصار، وعادت حركة حماس ليس لتطالب بتحرير فلسطين والأقصى ولا تحرير قطاع غزة الذي كان محررا حسب زعمها بل للتفاوض على محور فيلادلفيا لضمان السلامة الشخصية لقياداتها واستمرار سلطة لها على ما تبقى من بشر وأراضي في القطاع!
مع حرب الإبادة لا أحد يعرف بالضبط ما يريده نتنياهو بالنسبة لمستقبل قطاع غزة وبالرغم من الحديث المتداول عن إعادة احتلال قطاع غزة وعودة المستوطنات اليه إلا أننا لا نرى أن هذا وارد في ظل استمرار حوالي مليونين ونصف من السكان في القطاع إلا في حالة تنفيذ مخطط التهجير القسري لغالبية السكان ما زال واردا بالرغم من الممانعة المصرية العلنية للموضوع، وبالتالي الاحتمال الأكبر هو العودة لمخطط دولة في غزة مع تغييرات ديمغرافية وجغرافية، والأمر لم يعد مرتبط بقوة المقاومة وإرادة حركة حماس ومحور المقاومة بل بحسابات استراتيجية إسرائيلية وإقليمية.
عرض نتنياهو قبل أيام خريطة لفلسطين تظهر فيها كل فلسطين الانتدابية باسم إسرائيل وكان قطاع غزة منفصلا عنها وككيان قائم بذاته ،وإذا ربطنا هذه الخريطة بمخطط الانقسام والفصل بين غزة والضفة وقيام سلطة لحماس منفصلة عن السلطة الفلسطينية عام 2007 ورعاية إسرائيل لها ومدها بكل مقومات البقاء عبر قطر ومصر وتسهيلات تجارية وعمالة من غزة لإسرائيل ثم حرب غزة بعد أن استحكم الانقسام وترسخ وانتهى الدور الوظيفي لحماس ، سنجد أن جزءا كبيرا من هدف إسرائيل من الحرب ، بالاضافة الى أهدافها ومخططاتها في الضفة والقدس هو استكمال مخطط صناعة دولة غزة مقابل انهاء السلطة الوطنية كقاعدة ونواة للدولة في غزة والضفة التي تبنتها غالبية دول العال، وعودة ايغورا ايلاند الخبير الإستراتيجي الإسرائيلي إلى المشهد السياسي له دلالة .
لقد سبق وأن كتبنا عن دولة غزة وكنا أول من حذر منها منذ عام ٢٠٠4 عندما أعلن شارن عن مخطط الانسحاب أو إعادة انتشار جيش الاحتلال من طرف واحد من غزة وأربعة مستوطنات في الضفة الغربية وتوالت مقالاتنا حول الموضوع وسط استهجان وأحيانا هزء البعض مما أكتبه عن دولة غزة وفي عام ٢٠١٤ صدر لي كتاب بعنوان (الانقسام؛ النكبة الفلسطينية الثانية) عن دار الجندي وتم عرضه في معرض عمان الدولي للكتاب وصدرت له طبعة ثانية عام ٢٠١٥ وطبعة ثالثة عن مؤسسة الزمن في الرباط-المغرب وفي عام ٢٠١٨ تم إدخال تنقيحات وإضافات على الكتاب ليصدر عن دار الكلمة ومؤسسة ابو غوش في غزة والقدس بعنوان (الانقسام وصناعة دويلة غزة) ونفذت جميع النسخ من كل دور النشر أو اختفت وكانت كل طبعة تقدر بالآلاف!!.
وفي الكتاب قلنا بأن صناعة أو مخطط دولة غزة وإن كان مخططا وهدفا لإسرائيل فإن أطرافا أخرى فلسطينية وعربية ساعدت في تنفيذه مباشرة كشريك أو بعجزها و تقاعسها.