عن الوزير الذي تحول الى مذيعة و المذيعة التي تحولت الى وزير

lFDcS.png
حجم الخط

بقلم حمدي فراج

لفت نظري قبل أيام مقابلة مع وزير إسرائيلي سابق من أصول عربية ، على شاشة عربية ، يباهي و يفاخر بتدمير غزة تدميرا شاملا ، انتظرت ان تقول له المذيعة : كان يجدر بك ان تخجل من ذلك ، لا ان تفتخر . لكنها على ما يبدو شأنها شأن الكثيرين من العاملين في هذا الشأن الإعلامي المندرج تحت سطوة العاملين في الشأن السياسي الرسمي العربي و البعض الفلسطيني ، يرفعون مثل هذا الشعار ، من ان حماس بتنفيذها عملية طوفان الأقصى ، قد دمرت غزة ، و تسببت في قتل و جرح عشرات الاف الأبرياء ، و ان إعادة اعمارها تتطلب عشرات السنين .... الخ ، و لهذا سمعنا من بين ظهرانينا من يتوعد حماس بمحاسبتها و تحميلها مسؤولية ما قامت به إسرائيل غداة السابع من أكتوبر .

مع اقترابنا من مرور سنة كاملة على مشروع إسرائيل الابادي على غزة ، استخدمت فيه إسرائيل ثقلها الحربي و العسكري و الاستخباري و السياسي و التكنولوجي ، واستعانت بمقدرات أمريكية و بريطانية و فرنسية و المانية ، و صمت صارخ "للعروبة والإسلام" ، و تواطؤ مؤسسات حقوقية عالمية ، فهل سأل "الأخ" الوزير ، و معه "الأخت" المذيعة نفسيهما ، لماذا استغرق إسرائيل ، ذات الشعب المختار من الرب الجبار ، و ذات الجيش الذي لا يقهر ، استغرقها كل هذا الوقت للقضاء على حماس و المقاومة بشكل عام ؟ الجواب البسيط على هذا السؤال المشروع ، هو ان إسرائيل و معها كل حلفائها العالميين و الإقليميين ، عجزوا عن تحقيق ذلك . نقطة سطر جديد ، و في هذا بحد ذاته مأثرة تاريخية أخرى سجلتها هذه المقاومة البسيطة المتواضعة المحصورة والتي لا تستطيع في الحد الأدنى من أي مواجهة تجديد عتادها و سلاحها .

على مدار سنة تقريبا ، (346 يوما) من القتل اليومي ، ظل الشعب الفلسطيني في غزة ، قادر على احتضان هذه المقاومة ، رغم دموع التماسيح المتباكية على دمار غزة ، و ما حل بغزة ، ظل شعار الناس الناظم : "حسبنا الله و نعم الوكيل" ، و لو قامت المقاومة بخذلانهم ، بمعنى انها استنكفت او توقفت او صفَقَت او استسلمت برفع الراية البيضاء ، لقلنا ان الناس يقصدونها في "حسبنتهم" ، و لكن انها صمدت و استمرت في القتال بما في ذلك القصف واستهداف الدبابات و المجنزرات و قنص الجنود و استدراجهم و تفجير الألغام ، حتى اليوم الأخير . و الأهم من كل ذلك تضحيات جسام قدمتها هذه المقاومة كمقاتلين و قيادات ، و على رأسهم إسماعيل هنية و نائبه صالح العاروري و مروان عيسى و كما يقول الإسرائيليون محمد الضيف ، و أعداد من عائلات هؤلاء . ناهيك ان الاسرى او المختطفين ، ما زالوا في قبضة هذه المقاومة ، تحرص عليهم حرصها على نفسها ، في ظروف صعبة و قاسية .

وعندما لم تقم المذيعة بصد الوزير الإسرائيلي العربي والرد عليه كما يجب ، تمادى في طرحه ، ظانا انه بذلك ، قد يخفف من وطأة طرحه ، بقوله : لماذا لم يفعل الغزيون كما فعلتم انتم ، لماذا لا يتعلموا منكم ، الاعتراف بإسرائيل و العيش بسلام و رخاء و نماء . و هنا صمتت المذيعة  إزاء الطرح الجديد للوزير ، الذي أراد على ما يبدو أن يكحّلها ، فأعماها ، فأساء للدولة و قيادتها و شعبها و تلفزيونها ، و بدا كما لو أننا امام شاشة تعليمية ، كما بدا انه هو المذيع الذي يطرح الأسئلة ، و المذيعة هي الضيف الذي يجب ان يجيب .