معركة البيجرز وتداعياتها

تنزيل.jfif
حجم الخط

بقلم عمر حلمي الغول

 

 

أمد/ معركة غير مسبوقة بين دولة الاستعمار الإسرائيلية وحزب الله، حدثت أول أمس الثلاثاء 17 أيلول / سبتمبر الحالي، حيث نقلت القيادة العسكرية والأمنية الصراع مع الحزب اللبناني الى مستوى سيبراني مغاير تماما عن طبيعة الأسلحة والمعارك الدائرة بينهما، وأحدثت مفاجأة أربكت قيادة الحزب وكوادره وانصاره، ويمكن الجزم أنها هزت مكانة الحزب بقوة من شروشه، وأخرجت قواته واركانه عن السيطرة، حتى يمكن القول، ان الحزب عاش لحظة غيبوبة عن الوعي والادراك، وشلت قدراته وطاقاته السياسية والعسكرية الامنية والتنظيمية، وتركت بصمات وندوب سوداء على صورة الحزب. وبالضرورة سيكون للمعركة تداعيات داخلية وخارجية على موقع الحزب في الساحة اللبنانية والعربية والإقليمية
معركة تفجير أجهزة البيجر، أداة الاتصال والتواصل بين قيادات ومؤسسات ومواقع حزب الله في توقيت واحد، هو الثالثة والثلث من عصر اول أمس، وأدى وفق مصادر وزير الصحة اللبناني الى إصابة نحو 2800 جريح، بينهم ما يزيد عن 200 إصابة حرجة، واستشهاد 11 شخصا، جلهم من كوادر الحزب. كما أصابت السفير الإيراني في بيروت، واحد المسؤولين الإيرانيين في سوريا، بالإضافة لجرح نحو 200 شخص من اتباع الحزب والحرس الثوري المتواجدين في سوريا، وبالتالي يكون مجموع الخسائر في دقائق معدودة نحو 3000 انسان.
ومن الجدير بالانتباه، ان التفجير لمستخدمي البيجر من الحزب، تم في مناطق بعينها من لبنان، هي الضاحية الجنوبية / العاصمة بيروت، والجنوب اللبناني والبقاع، وبعض المنتشرين في مناطق لبنانية أخرى من أجهزة أمن الحزب، والذين تم الكشف عنهم، وعن خلفياتهم الحزبية من خلال العملية الإسرائيلية الدقيقة جدا، وعالية التخطيط والاعداد والدقة في التنفيذ، وأصابت هدفها بشكل مباشر، وحصدت رقما عاليا من قيادات وكوادر وعناصر الحزب.
ومن الواضح جدا، ان معركة البيجر كشفت عن اختراق كبير في أوساط الحزب، اسوة بالاختراقات الموجودة في جمهورية الملالي الإيرانية، والا كيف تم إيصال الشحنة لأعضاء الحزب من المستويات المختلفة؟ ومن الذي اشتراها؟ وهل بلغ الشركة المنتجة في بودابست، او الشركة التايوانية الموردة لها، بان الشحنة لحزب الله؟ وأين وضعت المتفجرات في البيجرز؟ هل في إسرائيل، أم في بلد المنشأ، ام تم استبدالها اثناء التوريد؟ وما هي المدة التي استغرقتها عملية الاعداد والتحضير لها؟ وأين أجهزة الأمن التابعة للحزب؟ ولماذا لم تقم بفحصها، والتأكد من أهليتها للاستخدام من عدمه؟ وهل الثقة كاملة لهذا الحد بوكيل حزب الله، الذي استورد الكمية؟ والا تعلم قيادات الحزب الأمنية، ان هذه الأجهزة وردت لهم من شركات رأسمالية معادية؟ ولماذا الثقة الزائدة؟ وهل استخلص الحزب الدرس والعبرة من المعركة الجديدة والنوعية، أم سيبقى يراوح في مكانه، وينتهج ذات السياسة؟
وعلى صعيد آخر، ما هي ردود فعل الحزب على جريمة الحرب الإسرائيلية الأميركية؟ هل سيذهب الحزب الى توسيع دائرة الحرب، أم سيبقى ينتهج ذات السياسية وفق قواعد الاشتباك المعهودة والمقبولة من قبل الطرفين الإسرائيلي والحزب؟ أم سيكون الرد واسعا نسبيا على ذات الطريقة، التي رد فيها على عملية اغتيال الرجل الثاني في الحزب فؤاد شكر، الذي اغتالته إسرائيل في 30 تموز / يوليو الماضي في الضاحية الجنوبية، مركز قرار الحزب، أم سيكون الرد أوسع قليلا؟
حسب ما أعتقد، أن الحزب لن يذهب لتوسيع دائرة الحرب، وسيذهب لعملية عسكرية واسعة نسبيا. لأنه ليس بوارد الدخول في حرب واسعة، خاصة بعد جريمة الحرب الجديدة، التي أثرت عمليا على قدرات الحزب العسكرية، بعد إصابة واستشهاد العدد المذكور آنفاً، وبعد ان ينظف نسبيا مؤسساته من المتورطين في العملية، وكونه من حيث المبدأ لا يرغب في توسيع نطاق الحرب، ارتباطا بالسياسة التي تنتهجها القيادة الإيرانية، التي رددت لبعض الوقت، انها سترد على عملية اغتيال إسماعيل هنية في العاصمة طهران في 31 تموز / يوليو الماضي. بيد انها تراجعت عن ذلك مؤخرا، وأيضا لان الواقع اللبناني والعربي والإقليمي والدولي لا يحبذ هكذا خيار.
كما نعلم جميعا، أن صاحب الرغبة بالتوسيع لدائرة الحرب، هو بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم بمختلف مكوناته السياسية والعسكرية الأمنية. ولكن خشيتهم من ردود الفعل الإقليمية والدولية الرافضة لهذا الخيار، والتي قد تضاعف من الضغوط السياسية والأمنية والاقتصادية والقانونية على دولة إسرائيل المارقة والخارجة على القانون. لذا أعطى الأوامر مع اركان قيادته بتنفيذ جريمة حرب البيجر، ليجر ويدفع الحزب الى توسيع الحرب الإقليمية، ويأخذها ذريعة بفتح دوامة الحرب، ويصفي الحساب معه.
ومن المؤكد، ان معركة البيجر، كانت معركة مشتركة تمت بالتنسيق والتوافق بين إسرائيل وسادتها في الولايات المتحدة، رغم ادعاءات العديد من المسؤولين العسكريين والسياسيين الاميركيين بعدم العلم، وعدم المشاركة بالعملية، الا انهم يكذبون كما يتنفسون. لان المعلومات الإسرائيلية التي نشرت عن العملية، صرحت بوجود بارجة حربية من البوارج المختصة بالعالم السبيراني في المياه الإقليمية اللبنانية، وهي التي ساهمت بتفجير البيجرز. وهنا اختلف مع الرأي القائل، ان إدارة بايدن، لا ترغب بتوسيع دائرة الحرب، ويبرز سؤال كبير في هذا الصدد، هل ستؤثر عملية التوسيع سلبا على المرشحة الدمقراطية هاريس، ام ستفيدها؟ الافتراض المنطقي، يشي ان توسيع الحرب لن يؤثر على المرشحة هاريس، بل سيعزز موقعها في أوساط المنظمات الصهيونية عموما والايباك خصوصا، وأنصار توسيع الحرب من الجمهوريين والديمقراطيين والدولة الأميركية العميقة، كونه يخدم مصالح الولايات المتحدة في إعادة هيكلة الوطن العربي والاقليم عموما. وبالتالي توسيع دائرة الحرب مصلحة أميركية إسرائيلية مشتركة.