بقلبٍ يعتصره ألم الفقد تبكي دعاء الحانوتي شقيقها مهند ابن الخامسة وعشرين عاماً الذي افترسه مرض الثلاسيميا وتغذى عليه حتى فارق الحياة بعد صراع طويل تحت وطأة الحرب الضروس الطاحنة التي حالت دون توفر الأدوية اللازمة له، بالإضافة إلى النقص الشديد في وحدات الدم ما جعل جسده النحيل يُعاني من مضاعفات شديدة لينضم بذلك إلى الأرواح التي حرثتها آلة الحرب الإسرائيلية بلا هوادة.
روت دعاء جزءاً يسيراً من معاناة شقيقها خلال الحرب قائلةً في حديثٍ خاص بوكالة "خبر":" كان يتلّوى من الألم في كل وقت ولا نستطيع أن نخفف عنه فلا مكملات غذائية متوفرة ولا غذاء مناسب حتى الأدوية كانت شحيحة في البداية وثمنها مرتفع ثم بعد ذلك لم نعد نجدها" موضحةً أنَّ "الجهاز الخاص بتكسير الحديد كان معطل ولم يتمكنوا من الحصول على بديل ما تسبب يتفاقم وضعه الصحي".
وأكملت: "رحلة البحث عن الدم كانت صعبة جدا وبالكاد نستطيع توفير وحدة دم من متبرع في المخيم كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع فالوضع الصحي لم يكن آمنا بسبب سوء التغذية وتفشي الأمراض"
توقفت دعاء عن الحديث وكأن شريط معاناة شقيقها يُعرض أمام عينيها، وأردفت: "ساءت حالة مهند بشكل كبير عقب نزوحنا الأخير من المخيم تحت القصف والخوف حتى وصلنا مدينة دير البلح مشياً على الأقدام بسبب عدم عثرونا على وسيلة مواصلات".
"تعِب كثيراً بعدها ولم تعد له شهية للطعام وأصبح جسده نحيل بشكل مخيف وكان يرتجف باستمرار" تقول دعاء واصفةً حال أخيها ثم تابعت "في يوليو الماضي كشفت الطبيبة الخاصة بمهند عن إصابته بسرطان الكبد، وشدّدت على ضرورة سفره لتلقي العلاج فحصلنا على تحويلة طبية لكننا لم نستطع الحصول على موعد للسفر فمات مهند".
مهند واحد من بين 26 مريضاً بالثلاسيميا قد فارقوا الحياة منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة؛ منهم 6 نتيجة القصف أما البقية فنتيجة لسوء التغذية، ونقص الأدوية إضافة إلى ظروف العيش غير الصحية في الخيام ومراكز الإيواء، والتي تؤثر بشكل سلبي على الجهاز المناعي و التنفسي لديهم مع تعرضهم للإصابة بأمراض جلدية مختلفة.
وعلى الجهة المقابلة من الأموات تجلس أم يوسف المصابة بالثلاسيميا بجانب أطفالها الثلاثة المصابين أيضاً بالمرض في خيمة بدائية مصنوعة من الأقمشة الرقيقة وتشكو حالهم نتيجة ظروف النزوح القاسية من جهة وسوء التغذية من جهة أخرى فوصفته، قائلة: "جميعنا نشعر بالتعب الشديد والإرهاق عند قيامنا بأدنى مجهود بسبب حاجتنا إلى الغذاء المناسب. وأضافت: "يفترض تناول أسماك ولحوم مرة أو مرتين في الأسبوع على الأقل لكن ليس هنالك قدرة على توفيره".
وبسؤالها عن الأعراض التي تجتاحها كونها أم مريضة ترعى أطفال مرضى ويعانون من عدم توفر الغذاء السليم ابتسمت ابتسامة خجولة لتعدد ما تشعر به على مدار الساعة، وأجابت: "أعاني من كل علامات سوء التغذية من صداع مستمر وضيق تنفس شديد ومرات عديدة تعرضت للإغماء".
خلف كواليس الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق كافة المدنيين في قطاع غزّة دون أدنى رحمة أو حساب لأيّ بند من كافة البنود التي ينص عليها القانون الدولي الإنساني خصوصا فيما يتعلق بحقوق المرضى خلال الحروب؛ هنالك نحو 294 مريضاً بالثلاسيميا يصارعون لأجل البقاء بأجسادٍ نحيلة، هزيلة، توّاقة لوحدة دم وغذاء سليم ودواء، منهم 33 بحاجة ماسة للسفر نظرا لعدم توفر العلاج اللازم لهم في القطاع" بحسب آخر إحصائية أصدرتها جمعية أصدقاء مرضى الثلاسيميا.