مركز أبحاث الأمن القوميّ بتل أبيب: الشرق الأوسط سيتفكك لكياناتٍ عديدةٍ

Middle-East-2014-Chaos777-400x280
حجم الخط

قالت دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجامعة تل أبيب، قالت إنّه بمرور خمسة أعوام على بدء الاضطرابات الإقليمية الدراماتيكية جديدة الصنع وغير المتوقعة وغير محددة المعالم في الوطن العربيّ، فإنّ التوقيت الحقيقيّ، الذي تفككت خلاله دول وسقطت أنظمة واندلعت حروب ولم تتوقف، لم ينتهِ بعد، ولفتت في الوقت عينه إلى أنّه من الواضح أنّ هذا هو الواقع الذي سيُرافقنا في المستقبل القريب.

 ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "رأي اليوم" أنه بحسب الدراسة، هناك ثلاثة صراعات تدور في وقت واحد، وهي مثال لحركة معمارية للوحات تأسيسية في العالم العربي، أولها: الصراع الاجتماعيّ الاقتصاديّ الذي أشعل الربيع العربي، والذي قاده شباب محبطون أغلقت في وجوههم جميع السبل وشعروا أنّهم لا يستطيعون تحقيق تطلعاتهم، الأحداث التي بدأت منذ أنْ خرج هؤلاء الشباب إلى الميادين أبعدتهم أكثر عن الهدف المرجو.
الثاني: الصراع الطائفيّ بين السنة والشيعة حول الهيمنة الإقليمية، ضدّ الهيمنة المتنامية للمحور الشيعي بقيادة إيران، تموضعت جبهة سنية منهارة ومتنازعة تضمنت العربية السعودية وتركيا ومصر والأردن والإمارات الخليجية، وكذلك عناصر الجهاد السلفيّ وهم القاعدة و”الدولة الاسلامية”، ولفتت إلى أنّ الصراع داخل المعسكر السني في ظل صعود “الدولة الاسلامية” والتي تحمل فكرًا سنيًا جديدًا- قديمًا للخلافة القائمة على أساس قوانين الشريعة الإسلامية، والتي تقود مجهودًا حديثًا لتحقيقها، وضع قائمة طويلة من المعارضين: الدول السنية والإسلام السياسي والحركات السلفية السنية ما عدا “الدولة الإسلامية”. وأوضحت الدراسة أيضًا أنّ الديناميكية والصراعات متعددة الطبقات تضع تحديات من الوزن الثقيل، وإلى جانبها فرص كثيرة لتصميم بيئة إستراتيجية من نوع آخر.
هذه الازدواجية صحيحة بالنسبة لجميع الجهات المعنية في الشرق الأوسط، ناهيك عن إسرائيل. وأشارت الدراسة إلى أنّ السياسة الإسرائيلية كيفّت نفسها مع التغيرات المتواترة، وسيما من خلال تعزيز مكونات الدفاع والامتناع عن التدخل ما أمكن فعل ذلك، ولكن في ذات الوقت ظلت إسرائيل ثابتة عند قدرتها على بناء روافع تأثير على الأقل في محيطها الاستراتيجيّ القريب، وهي مستمرة في البناء على منطقيات وقواعد لم تعد سارية المفعول، لذلك التحدّي والفرصة الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل في العام القريب هما اعتمادات طرق تفكير مستحدثة والفهم أنّها تعيش ذروة معركة مصيرية لرسم معالم وجه الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه مكانها ومكانتها والحاجة إلى بلورة مفهوم يفتش عن الفرص وتطوير مزيج جديد من الأدوات والوسائل متعددة المجالات.
وبرأي الدراسة، فإنّ المبدأ الأهّم في تصميم جدول الأعمال الإقليمي لتقديم المصالح الإسرائيلية هو الفهم أنّه يوجد صلة وثيقة بين الخطوات والتوجهات في المساحات الجغرافية المختلفة. على نقيض الشرق الأوسط ما قبل العام 2011 فاليوم من غير الممكن تقريبًا مواجهة التحّدي على ساحة ما دون ربطها بساحة أخرى أوْ أنّ مواجهتها ستُولّد سلسلة من الانعكاسات غير المقصودة.
وبناءً عليه، ساقت الدراسة، يصعب تقديم فرص في مجال معين وبشكل مستقل، والمطلوب تسخير لاعبين مختلفين رسميين وغير رسميين ليصبحوا شركاء. ولفتت الدراسة أيضًا إلى أنّ ضعف البناء الرسمي في أجزاء واسعة من المنطقة جعلت من التأثيرات الاجتماعية التربوية مهمة إلى حدٍّ أكبر من المعتاد، حيث يجب أنْ تتغير نقطة المرجعية لتوافق ذلك من خلال التأكيد على إقامة ائتلافات إستراتيجية سياسية عليا، إلى جانب خلق اتصال مع جهات شبه رسمية ذات صلة.
وشدّدّت الدراسة على أنّه يتحتّم على صنّاع القرار في إسرائيل أنْ يتذكروا أنّه الآن أكثر مما في الماضي فإنّ محيط إسرائيل القريب هو منظومة معقدة كثيرة الأوجه والمنطقيات، والتي تتميز بانتماءات وتأثيرات متبادلة. وبرأي الدراسة الإستراتيجيّة، فإنّ المطلوب من إسرائيل أنْ تستعد لاحتمال تفكك النظام الرسمي القائم في الشرق الأوسط، وتفكك جزء من الدول إلى عدة دول وأحكام ذاتية وجيوب أوْ كيانات أخرى عرقية أوْ دينية متفرقة، ومن أجل ذلك من الصواب أنْ تفتح إسرائيل علاقات سرية وعلنية أيضًا مع مجموعات عرقية ومع أقليات ولاعبين آخرين غير معادين لإسرائيل، ويتوقع أنْ يكون لهم دور بنّاء ومستقر في رسم معالم وجه الشرق الأوسط في المستقبل.
علاوة على ذلك، لفتت الدراسة إلى أنّه في البيئة الإستراتيجية الجديدة لإسرائيل توجد فرص لتحسين مكانتها الإقليمية وإقامة تعاون أمنيّ، وفي مجال الطاقة والتقني والزراعي وفي مجالي الماء والبنى التحتية مع جهات في العالم العربي البراغماتي، على حدّ تعبيرها.
بالإضافة إلى ذلك أوضحت أنّه من أجل ذلك فالمطلوب من إسرائيل أنْ تعرض بطاقة دخولها: دفع العملية السياسية مع الفلسطينيين من خلال طرح مبادرة سياسية على الطاولة مع نوايا حقيقية لخلق واقع الدولتين، على حدّ قول الدراسة.
ورأت الدراسة أنّ التطورات في سوريّة وانعكاساتها على لبنان هي الأكثر عصفًا في محيط إسرائيل، لذلك فإنّها تثير الانتباه، لافتةً إلى أنّه من الصعب التنبؤ “بالشوط النهائي” المستقبلي على هذه الساحة، وفي الخلفية هناك طوال الوقت احتمال كبير لتشكل تهديد عسكري يُترجم بشكل أساس بالإرهاب ضدّ إسرائيل.
وخلُصت إلى القول إنّ تجمع الساحة الشمالية في قطعة واحدة أصبح جليًا بعد إحكام المحور الشيعي بقيادة إيران، والذي يضم نظام الأسد وحزب الله، والموجود اليوم في إطار تحالف عسكري مع القوات الروسية العاملة في سوريّة، بحسب تعبيرها.