مرحلة ما بعد السنوار

تنزيل (3).jpeg
حجم الخط

الكاتب: هاني عوكل


 

الكثير من المواقع الإعلامية والتحليلية بدأت تتساءل عن مصير قطاع غزة بعد استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار في محافظة رفح الجنوبية، وهل سيفتح الباب مجدداً أمام تحريك عجلة المفاوضات والوصول إلى اتفاق يؤدي في النهاية إلى وقف إطلاق النار؟
قبل استهداف السنوار في عملية تمشيط عسكرية يومية واكتشافه بمحض الصدفة، كان قطاع غزة يتعرض لوابل من القنابل المدمرة، وجرى فصل شَماله عن الوسط والجنوب، إلى درجة منع وصول كل أنواع المساعدات المستعجلة لسكان الشمال.
الخطة الإسرائيلية لفصل شمال قطاع غزة تأتي في إطار استراتيجية تستهدف إقامة منطقة عازلة مقتطعة من جغرافيا غزة في الشمال والشرق، ولا تتعلق بتصفية كبار قادة «حماس» في الصفين الأول والثاني، ولا حتى بالتصفية الكاملة للحركة.
إسرائيل تتعامل مع غزة على أنها قنبلة ديمغرافية من المحتمل أن تنفجر في وجهها، والعقيدة الإسرائيلية تستلزم إفراغ القطاع من سكانه، وربما هذا يترجم الإفراط الشديد في استخدام السلاح والضغط على الفلسطينيين من جميع الجهات لدفعهم خارج غزة.
واهمٌ من يعتقد أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو سيوافق على وضع حد للحرب وفق صيغة «لا غالب ولا مغلوب»، إذ بعد استهداف قيادات ثقيلة جداً من إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» ومن بعده السنوار وما بينهما من قيادات في الصف الأول والثاني، كل ذلك يضع نتنياهو في صورة المنتصر وفي موقع الأفضلية والطرف الأقوى في هذه المعادلة.
ليس هناك ما يُسمى بالمناطق الآمنة في غزة التي تحولت إلى مصيدة، وحتى من نزحوا في رحلة نزوح أولى وثانية وثالثة بحثاً عن الأمن والأمان، تعرضوا لاستهدافات الاحتلال الذي يرى في الفلسطيني الشر المستطير الذي ينبغي القضاء عليه.
الآن ثمةَ تحركات دبلوماسية يجريها الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته بلينكن بهدف تأمين الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة، وبالتأكيد يحدث هذا وفق مرحلة ما بعد السنوار، بدليل أن المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية غير المباشرة توقفت في مرحلة السنوار وبدأت تتحرك بعد استهدافه.
بالتأكيد ستُضيف إسرائيل شروطاً جديدة في مشوار المفاوضات، ولن تعترض الإدارة الأميركية على طلبات تل أبيب التي تمدها بأسباب التفوق العسكري، وفي الأساس يترجم بايدن خطط نتنياهو حرفياً ويوفر الحماية والغطاء للاحتلال الإسرائيلي حتى يحقق أهدافه كاملةً.
الآن يعتقد نتنياهو أن استهداف السنوار سيشكل مرحلة جديدة في إعادة صياغة ملف المفاوضات لصالح إسرائيل، ومن المستبعَد أن يعمل على تهدئة الجبهات الساخنة في الجنوب والشمال تمهيداً لاحتمال عقد أي صفقة تشمل وقفاً لإطلاق النار.
المعنى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتأكيد سيرد على إيران رداً قاسياً، وهو ينتظر هذه الفرصة حتى يصفّي الحسابات معها، وكذلك الحال مع «حزب الله» الذي اغتال أهم قياداته ويركز في حربه هذه على استهداف الرؤوس القيادية الأخرى وإضعاف الحزب إلى حد كبير جداً.
الفكرة أن إسرائيل بعد طوفان الأقصى فتحت الحرب على غاربها، وبالتالي لم تعد في وارد تسكين وتهدئة جبهتَي لبنان وغزة، الأمر الذي يعني ترسيخ سياسة الاحتلال وابتلاع الأراضي وتسوير الدولة العبرية بمناطق عازلة في الشمال والجنوب مقتطعة من الجغرافيا اللبنانية والفلسطينية.
هذا يعني أننا ما زلنا بعيدين عن فكرة الوصول إلى هدنة دائمة، بل يمكن القول إن مرحلة ما بعد السنوار ستعني ارتفاع وتيرة الحرب، وطالما أن نتنياهو حقق جزءاً من الأهداف التي وضعها للحرب، فإنه سيواصل الضغط على جبهتَي لبنان وغزة حتى يصل إلى مرحلة يفرض فيها شروطه.
الآن هناك ضغط إسرائيلي شعبي وحزبي على الحكومة الإسرائيلية للمُضيّ في صفقة لتحرير الأسرى الإسرائيليين من «حماس»، وسيحاول نتنياهو خلط الأوراق باستهداف إيران حتى يغطي على مسألة إعادة فتح ملف الأسرى.
هو يريد استثمار مرحلة ما بعد السنوار نحو زيادة تحقيق المكاسب السياسية والعسكرية، وعلى الأغلب أنه سينتظر موعد الانتخابات الأميركية مطلع الشهر المقبل، لأنه يعوّل كثيراً على فوز الجمهوري دونالد ترامب في رئاسة الولايات المتحدة ودعمه السخي لمشروع إسرائيل في إعادة صياغة الشرق الأوسط وفق الوصفة الإسرائيلية.
بعيداً عن الرؤية الإسرائيلية للحرب، لن يُشكّل استهداف السنوار نقطة تحول في هذا الصراع، لأن «حماس» لاتزال تمتلك القوة العسكرية، وتؤمن بأن غياب القادة لا يعني غياب الحركة أو زوالها، وهذا يعني أن الميدان وحده من يحدد مرحلة ما بعد السنوار.