وصل انتوني بلينكن، وزير خارجية إدارة بايدن أول أمس الثلاثاء لإسرائيل في زيارته ال12 لها، اعقبها زيارة للعربية السعودية، وقبل زيارته لمصر وألغى زيارته للأردن، على ان يلتقي بوزراء خارجية عددا من الدول العربية في لندن غدا الجمعة 25 تشرين اول/ أكتوبر الحالي، وكان جرى التداول بعدد من بالونات الاختبار المتعلقة باليوم التالي للحرب في قطاع غزة، وغالبيتها تهدف الى خلط الأوراق في المشهد العربي عموما والفلسطيني خصوصا، واستشراف ردود الفعل عليها، والبناء على ما يخدم الرؤية الإسرائيلية الاستعمارية في الملف الفلسطيني، ومحاولة إحداث اختراق في عملية التطبيع بين تل ابيب والرياض عشية رحيل إدارته مع بداية العام الجديد 2025، وتسجيل انجاز في سجلها الأميركي، وبما يخدم مكانة المرشحة الديمقراطية كمالا هاريس في صناديق الاقتراع، وقطع الطريق على المرشح الجمهوري، دونالد ترامب.
لكن مطلق مراقب موضوعي لواقع الإدارة الأميركية الحالية الآفلة، يعلم انها، أولا شريكة وقائدة للإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا لليوم 384؛ ثانيا ليست بوارد الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو، ليس هذا فحسب، بل انها الداعم الأساسي لها في مجالات الحرب الوحشية كافة السياسية والديبلوماسية والعسكرية والمالية والإعلامية والقانونية؛ ثالثا عملت وتعمل على تغيير خارطة الوطن العربي والشرق الأوسط عموما بما يخدم مكانة الدولة الأداة الوظيفية الإسرائيلية؛ رابعا أثبتت الوقائع أن واشنطن ليست معنية بوقف حرب الأرض المحروقة على الشعب الفلسطيني؛ خامسا عطلت بشكل منهجي على مدار سنوات وجودها الأربع استقلال دولة فلسطين المحتلة، وحتى رفع مكانة الدولة الفلسطينية الى دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة مرات عدة من خلال استخدامها حق النقض / الفيتو ضد مشاريع القرارات ذات الصلة في مجلس الامن الدولي؛ سادسا ثابرت بشكل منهجي على تهميش مكانة الدولة الفلسطينية، وفرض الاملاءات على قيادة منظمة التحرير لتغيير طابعها التحرري، وإدخال تحولات جذرية في تركيبتها وأهدافها، والانتقاص من دورها، إن لم يكن تصفيتها واجتثاثها، وخلق البدائل المحلية كروابط القرى عنها.
والاهم انها (الإدارة) لا يمكن لها من إحداث أي اختراق في الاستعصاء الإسرائيلي في ربع الساعة الأخيرة من ولايتها. لأن زعيم الائتلاف الحاكم في إسرائيل ليس مستعدا لمنح الإدارة أي منجز حتى لو كان شكليا في صفقة ابرام تبادل الاسرى، ووقف الحرب، وإدخال المساعدات الإنسانية بكافة مشتقاتها، والانسحاب من قطاع غزة، وكان عقد مؤتمر حزب الليكود بزعامة نتنياهو لإعادة الاستيطان الاستعماري في غزة عشية وصول بلينكن يوم الاثنين 21 تشرين اول / أكتوبر الحالي على غلاف غزة ردا واضحا على ما أعلنه الوزير الأميركي في تصريحاته المختلفة عن حمله مشروع حل سياسي لوقف الحرب خلال الساعات القليلة الماضية .
إذاً الزيارة المكوكية ال11 للمنطقة خلال عام الحرب الأول لا تحمل جديدا، وهي زيارة إن كان لها من هدف، فهو إدامة الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، وتسريع عجلة التطبيع المجاني بين إسرائيل والسعودية. رغم ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووزير خارجية المملكة فيصل بن فرحان أعلنا على الملأ ، أن القيادة السعودية لن تذهب الى التطبيع قبل وقف الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني ووقف التهجير القسري للشعب الفلسطيني وإدخال المساعدات الإنسانية كافة، وتأمين الحماية الدولية، والاتفاق على اليات إعادة الاعمار في القطاع، وتولي الحكومة الفلسطينية مسؤولياتها في القطاع، والاستعداد الإسرائيلي للانسحاب من القطاع والاعتراف بالحقوق السياسية والقانونية للشعب الفلسطيني قبل عقد المؤتمر الدولي للسلام، ورفض خلق بدائل عن القيادة الشرعية الفلسطينية.
وعليه فإن الرهان على إمكانية إحداث نقلة إيجابية لجهة وقف الإبادة الجماعية في فلسطين ولبنان، هو رهان خاسر، وما يدعيه الوزير الأميركي من حمل مشروع سياسي للحل، ليس سوى خدعة جديدة، لا أساس له من الصحة، وهو شكل من اشكال المناورة والالتفاف على الاشقاء العرب، وعلى مصالح الشعب الفلسطيني وحريته واستقلال دولته، ورفضا لغروب شمس الاحتلال الإسرائيلي عن ارض الدولة الفلسطينية. ولو كانت الإدارة الأميركية جادة لكان التزمت وطبقت قرار مجلس الامن الدولي 2735 الصادر في 10 حزيران / يونيو الماضي، الذي وافقت عليه القوى الفلسطينية المختلفة، ولكن حليفها الإسرائيلي فوق النازي لم يفِ باي اتفاق تم التوافق عليه بين وفده المفاوض والطرف الفلسطيني برعاية واشنطن نفسها والوسطاء العرب (مصر وقطر). وهو ما يؤكد ان بلالين الاختبار الأميركية الإسرائيلية ليست الا للتضليل والخداع والانتقاص من الحقوق الوطنية الفلسطينية.