الضربة الإيرانية: هل هي مجرّد ردّ، أم بداية «كسر العظم»؟

تنزيل (1).jpg
حجم الخط

بقلم: د. عبد المجيد سويلم

 


في الأيّام الأولى التي أعقبت «الرد» الإسرائيلي على ما سبق من رّد إيراني على اغتيال إسماعيل هنيّة، لم تكن ردود الأفعال الإيرانية قد وصلت إلى المستوى الذي نشهده في خطاب هذه الأيّام، ولم تكن التهديدات الإيرانية على هذه الدرجة من التصميم كما هي الآن.
هل تلاحظون معي أنّ ثمّة انتقالة مفاجئة قد تمّت، وأنّ نبرة التهديدات الإيرانية قد جاءت مختلفة دون سابق إنذار، ودون تمهيد أو مقدّمات؟
إذا كان الأمر كذلك - وأظنّه كذلك - كيف تمّ ذلك؟ وما الأسباب التي أملت على الإيرانيين هذا الأمر؟ وما الذي حدث حتى يصعّدوا إلى هذا المستوى؟ ولماذا اشتمل تهديدهم على إشارات واضحة وصريحة للولايات المتحدة إلى جانب دولة الاحتلال؟
لو كانت الضربة الإسرائيلية لإيران مدمّرة، أو لو أنّها طالت مراكز حيوية، نووية أو نفطية، أو غيرها من مفاصل البُنى التحتية، أو مرافق إستراتيجية لأمكن فهم وتفسير هذه النبرة العالية في خطاب التهديدات الإيرانية.
أمّا وأن الضربة الإسرائيلية لم تكن كذلك، حتى وفق الرواية الإسرائيلية نفسها، فإنّ «شيئاً ما» قد حدث، أو أن قراءة جديدة قد أصبحت في حكم المرجّح، وربّما المؤكّد، أيضاً.
ما أظنّه أنّ إيران قد حصلت على معلومات استخبارية بأنّ الضربة التي وجّهتها لها دولة الاحتلال بالتنسيق الكامل والمعلن مع الولايات المتحدة مجرّد ضربة «استكشافية» للدفاعات الجوّية، ومجرّد اختبارات عملية لطرق ووسائل الوصول إلى إيران، وإلى الأهداف الإستراتيجية فيها، على أن تكون الضربة القادمة بعد الانتخابات الأميركية، وعلى أن تكون شيئاً أشبه بـ»الرزمة القاتلة» التي كانت «مخبّأة» في الجعبة الأميركية الإسرائيلية، وعلى أن تكون الموافقة الأميركية عليها مضمونة، وعلى أن تشارك بها الولايات المتحدة، وربما بعض دول «الغرب»، وعلى أمل أن يكون الذهاب إلى «الشرق الأوسط الجديد» ممكناً ومتاحاً بعد تدمير المركز الرئيس لـ»محور المقاومة»، والمتمثّل بإيران، والذي من خلال هذا التدمير فقط يمكن العودة للحرب في قطاع غزّة، وللحرب في لبنان، والعودة إلى سورية وتدمير جيشها ومرافقها لكي يُعاد رسم صورة وخارطة الإقليم بالكامل.
أي أنّه، وفي ضوء الفشل الإسرائيلي في الانتصار العسكري على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وفي ضوء الفشل الأكبر على المقاومة في لبنان، خصوصاً الفشل المدوّي في الحرب البرّية في الجنوب، وفي ضوء استمرار التهديد الذي يمثّله «حزب الله» بالقصف الصاروخي الذي أصبح أكثر قوة وأوسع مدى، وأعمق وأعلى في إحداث الخسائر، وفي القضاء بصورةٍ تامّة على الشعور بالأمن والأمان لملايين من الإسرائيليين.. في ضوء كلّ ذلك تصبح المحاولة الإسرائيلية في طريقٍ معاكس هي بمثابة الحلّ الوحيد.
أقصد كانت الرؤية الإسرائيلية الأميركية تقوم على ضرب «الأذرع» لكي يُصار إلى محاصرة المركز، أي ضرب «حماس» و»حزب الله»، وربما «أنصار الله» الحوثيين والمقاومة الإسلامية العراقية، وسورية، لكي تبقى إيران من دون أذرع أو أجنحة لتسهيل مهمّة الانقضاض عليها، فتحوّلت الرؤية الأميركية الإسرائيلية الآن إلى طريق معاكس «يبدأ» بضرب الرأس، لكي تعود الضربات إلى الأطراف والأذرع بعد أن تكون فقدت قدرات المركز، وبعد فشل طريق [من الأطراف إلى المركز].
تأمل دولة الاحتلال أن تحدث هذه الانعطافة في الفترة «الميّتة»، وهي الفترة الفاصلة بين ظهور نتائج الانتخابات الأميركية، وبين تنصيب الرئيس أو «الرئيسة».
في هذه الفترة الفاصلة، الأمر لا يتعلّق بحالة «البطّة العرجاء» فقط، وإنّما بالبطّة الكسحاء، أي أنّها فترة لا يجوز للرئيس المغادر أن يتخّذ قراراً بإعلان حرب كبيرة، ولا يمكن للرئيس المنتخب أن يتدخّل في أمرٍ كهذا لأنّه لا يكون قد تسلّم سلطاته الدستورية بعد أداء القَسَم.
في هذه الفترة، ستشارك الولايات المتحدة في الحرب من دون إعلان، وستمضي المسألة في سياق الالتزام الأميركي بالدفاع عن أمن «الدولة العبرية»، خصوصاً أنّ ضرب إيران لا يحتاج إلى مشاركة القوات العسكرية الأميركية في الحرب بصورةٍ مباشرة.
هناك مؤشّرات كثيرة على أنّ إيران قد وصلت بالاستناد إلى المعلومات التي لديها، واستناداً إلى قراءة الواقع في الإقليم، وفي ضوء ما أفرزه هذا الواقع الجديد، أنّ معركة «كسر العظم» تدنو من الأبواب، وأنّ هذه الحرب أصبحت إجبارية إلى حدّ كبير، ولا مناصَ من خوضها.
أهمّ المؤشّرات على السياق الذي ذهبنا إليه هو أنّ دولة الاحتلال هربت وتهرّبت من أيّ وقفٍ لإطلاق النار بشروط متوازنة، ما يعني أن القيادة الإسرائيلية ترى في مثل هذا الوقف، أو حتى التوقُّف بمثابة هزيمة كبيرة للاحتلال.
دولة الاحتلال - على حقّ - من هذه الزاوية، لأنّها تكون قد خاضت هذه الحرب من دون أيّ طائلٍ حقيقي؛ لأنّها تعرف أنّ ما لحق بنا في قطاع غزّة من تدمير وتهجير وصل إلى درجة الكارثة، وما لحق بلبنان، أيضاً، لا يشكّل نصراً، إن لم يكن هو عنوان هزيمة مذيّلة بالعار ليس إلّا.
وبهذا المعنى فإنّ عدم «إزالة التهديد» وبقاء هذا التهديد إذا ما تمّ الاتفاق على وقف لإطلاق النار بشروط متوازنة هو بمثابة تغيّر، وانعطاف إستراتيجي في التوازن الإقليمي في منطقة يمثّل فيها هذا التغيّر بُعداً عميقاً في التوازنات الدولية الجديدة.
ولهذا فإنّ دولة الاحتلال عادت للحديث عن أنّ «إنهاء» حركة «حماس» في شمال القطاع يحتاج إلى ستة أشهر إضافية!
كما عادت دولة الاحتلال للحديث عن أنّ العملية البرّية في لبنان قد حقّقت أهدافها! وهذا يعني أنّ الحرب على لبنان ستعود بالقصف الجوّي لأنّ قوات الاحتلال لم تعد قادرة على تحقيق أيّ هدفٍ هناك سواء كان الهدف معلناً أو غير معلن، أو كان كبيراً أو صغيراً.
المؤشّر الثاني هو عودة الحديث الإسرائيلي لتهديد «بقاء» النظام في سورية، وهي لهجة جديدة، لم تطرحها دولة الاحتلال بتكرار أو إلحاح منذ فترة طويلة، وهو ما أثار حفيظة روسيا.
أمّا الإعلان عن أنّ العلاقات الدفاعية بين روسيا وإيران ستشهد طوراً جديداً في الأيّام القادمة، فهو مؤشّر كبير على أنّ ما يقترب يوماً بعد يوم صدام كبير على مستوى الإقليم كلّه، وهو المؤشّر الثالث الكبير على هذا الصعيد.
المؤشّر الأكبر من كلّ هذه المؤشّرات على أنّ الأمور تسير بهذا الاتجاه هو الحديث الجديد، والمتجدّد عن مسألة السلاح النووي الإيراني.
واضح بالنسبة لي على الأقلّ أنّ إيران قد [امتلكت] السلاح النووي، والفتوى التي يتحدّث عنها مستشارو علي خامنئي إعلان شكلي، وأنّ هذا الإعلان سيتمّ إمّا قبل الضربة الإيرانية، أو بُعَيد الضربة مباشرة، وذلك في محاولة منع دولة الاحتلال من الذهاب إلى الخيار النووي تحت أيّ ظرفٍ من الظروف، وبهدف تثبيت التوازن الجديد في الإقليم على قاعدة أنّ «الشرق الأوسط الجديد» لم يعد تحت رحمة «المخلب» الأميركي الذي تمثّله دولة الاحتلال في هذا الإقليم.