ما الذي يدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى اتخاذ قرار إقالة وزير دفاعه يوآف غالانت وتعيين وزير الخارجية يسرائيل كاتس خلفاً لغالانت، ولماذا تحدث هذه التعيينات في وقت تشن فيه إسرائيل عدواناً واسع النطاق على فلسطين ولبنان تحديداً وتحتاج إلى شخصية عسكرية بخبرة غالانت؟
إقالة غالانت ليست مرتبطة بمعيار الكفاءة العسكرية ومسألة اقتراب أو ابتعاد إسرائيل عن تحقيق الإنجازات في مربعي غزة وجنوب لبنان، وإنما هناك خلاف سياسي عميق بين الرجلين بانت معالمه حينما اعترض وزير الدفاع المقال على التعديلات القضائية قبل أكثر من عام ونصف العام.
غالانت نفسه وبعظمة لسانه فسر قرار الإقالة بأنه مرتبط بثلاثة أسباب تتعلق بموقفه من ضرورة أن يؤدي «الحريديم» الخدمة الإلزامية في الجيش، والسرعة في إعادة الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم «حماس» في غزة، حتى لو كلف ذلك تقديم تنازلات مؤلمة.
السبب الثالث مرتبط بموقفه الداعي إلى تشكيل هيئة تحقيق رسمية في أحداث السابع من تشرين الأول 2023، وكل هذه الأسباب يرفضها نتنياهو جملةً وتفصيلاً ولا تخدم مصالحه ولا مصالح الحكومة المتطرفة التي يقودها.
في الأساس، لا يحب نتنياهو أن يكون في حكومته من يعانده ويعترض على قراراته، ولذلك نلحظ وجود مقربين منه كما هو الحال مع الوزير كاتس الذي عينه خلفاً لغالانت، مع أن الأول يفتقر إلى الحس الأمني والخبرة العسكرية في زمن الحرب والتأهب الإسرائيلي.
كما أن نتنياهو يرى في بقاء غالانت بالمنصب الحالي خطرا على مستقبله السياسي، لأن الأخير حاول إضعاف نتنياهو بتفنيد رواياته عن النصر المطلق في غزة، إلى جانب أن غالانت كان يرغب في دعم قرار وقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.
غالانت حينما كان في موقعه، لم يتسامح أبداً مع فكرة استبعاد «الحريديم» من الخدمة العسكرية، ولذلك استدعى حوالى 7000 منهم للالتحاق بالجيش في إطار العدوان الذي تشنه إسرائيل على فلسطين ولبنان والنقص المتزايد في الجنود.
بعد إقصاء غالانت من المشهد السياسي والعسكري، لا يوجد هناك من يعارض نتنياهو وخططه، إذ من الممكن أن يمرر قانوناً في الكنيست يعفي اليهود المتشددين من الخدمة في الجيش، لإرضاء أطراف كثر في حكومته المتطرفة وعلى رأسهم إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي.
كذلك يعارض نتنياهو القيادات الأمنية والعسكرية التي تنصحه الدخول في مفاوضات تحقق وقفاً لإطلاق النار وتسمح للأسرى الإسرائيليين في غزة بالعودة إلى منازلهم، ويريد أن يطيل فترة الحرب حتى يصفي حساباته مع كافة الأصوات التي تعارضه ويضمن إما استمرار منصبه كرئيس للوزراء أو ترتيب الخروج الآمن من السلطة بدون محاكمة.
نتنياهو يريد أن يحقق النصر العسكري لإسرائيل حتى لو كلفه التضحية بملف الأسرى الإسرائيليين، لأن ذلك سيعني شيئاً مهماً بالنسبة له، أنه فلت من أي نوع من العقاب وستسقط عنه كل التهم الموجهة سواء السابقة المتعلقة بالفساد أو أي تهم تتعلق بطريقة إدارته للحرب.
أما موضوع فتح تحقيق شامل كامل بخصوص أحداث السابع من تشرين الأول 2023، فهذا موضوع حسّاس قد يطال رأس نتنياهو، لأنه المسؤول الأول والأخير عن إسرائيل وأمنها، وأي فشل سياسي أو أمني سيتحمله هو في الأساس.
جيش الاحتلال سبق أن حقّق في أحداث عملية طوفان الأقصى، وخلص إلى إخفاقات أمنية وأخرى على صعيد صد هجوم مقاتلي حركة حماس، لكن حينما تنتهي الحرب سيتم فتح هذا النقاش من جديد، ولن يكون نتنياهو محمياً من القانون والانتقادات إلا إذا حقّق إنجازات سياسية وعسكرية تهدئ المعارضة والرأي العام الإسرائيلي.
قرار إقالة غالانت لم يكن ليحصل لو لم تستهدف إسرائيل قيادات ثقيلة من مستوى حسن نصر الله الأمين العام لـ»حزب الله» وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وإلى جانبهما قادة من الصف الأول والثاني في الحزبين.
منذ فترة طويلة ورئيس الحكومة يريد أن يعطي غالانت «شلوتاً» و«يطيره» من منصبه، لكن الظروف وقتها لم تكن تسمح، ولذلك يوظف نتنياهو كل الإنجازات العسكرية التي حققها الجيش في شخصه، وهذا ما شجّعه لإصدار قرار الإقالة بحق غالانت.
وقد يأتي الدور على رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي الذي انتقد نتنياهو في السابق بشأن الحرب على محافظة رفح جنوب قطاع غزة وإصرار الأخير على البقاء في ممر فيلادلفيا، وعلى الأرجح أن رئيس الحكومة سيتحين الفرصة المناسبة لإقالة هليفي.
المختصر أن نتنياهو قد يستبعد ويصفي كل الأصوات الرسمية التي تختلف معه وتعارضه قبل أن يشرع بشكل جدي في إتمام صفقة تتضمن وقفاً لإطلاق النار، ففي النتيجة يرى أن خشبة خلاصه تكمن إما في تحقيق إنجاز عسكري يتباهى فيه أمام الجميع، أو ترويض معارضيه حتى يظل في الطليعة.