تنعقد في الرياض قمة عربية إسلامية لتنفيذ حل الدولتين بناء على مبادرة سعودية طرحتها المملكة لتشكيل تحالف دولي بهذا الشأن، وتأتي هذه المبادرة بعد فشل كل الجهود والمبادرات لوقف الحرب في غزة ولبنان، أيضاً بعد فشل الفلسطينيين في توحيد صفوفهم وإنجاز مصالحة وطنية حتى على مستوى تشكيل لجنة لتخفيف المعاناة عن أهالي غزة الذين يعيشون وضعاً مأساوياً غير مسبوق في التاريخ.
إذن، نحن أمام مسارين: الأول فلسطيني متعثر سياسياً وفي جبهة المقاومة بعد فشل المراهنة على إيران ومحور المقاومة، والثاني عربي يحاول استعادة الحضور والدور العربي بعد أن غيبه الدور الإيراني، فهل يمكن التوصل لقاسم مشترك بين المسارين؟ قبل الحديث عن المسار العربي والمبادرة السعودية علينا التطرق باختصار عن الحالة الفلسطينية الراهنة.
في الساحة الفلسطينية نهجان: واحد يقول بالمقاومة المسلحة، وأنه بدعم من إيران ومحورها الشيعي يمكن الانتصار على العدو، دون رؤية أو توضيح لمفهوم الانتصار وحدوده، وأحياناً يقولون إنما النصر من عند الله، وينتظرون أن ينصرهم الله فيما الله رب العالمين لا ينصر جماعة محددة لمجرد أنها تصف نفسها إسلامية.
ونهج آخر يعتمد (استراتيجية الضعيف)، ومفادها الاعتراف بعدم القدرة على الانتصار على العدو وإنهاء الاحتلال بالمقاومة المسلحة، والأفضل المراهنة على تعاطف ودعم دول العالم لإنصاف الشعب الفلسطيني وحمايته، وجسد هذا النهج خطاب الرئيس أبو مازن في الأمم المتحدة عندما خاطب العالم قائلاً ومستجدياً (احمونا)، وهؤلاء أيضاً يتنظرون أن يقدم لهم المنتظم الدولي دولة فلسطينية على طبق من ذهب.
النهج الأول لم ينظر للقضية كقضية صراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو كقضية وطنية فلسطينية بل راهن على أمة إسلامية تعدادها ٣ مليارات مسلم سيزحفون لتحرير القدس، ووجدت حركة حماس في إيران ومحورها ما يؤكد رؤيتها، ودفع الشعب الفلسطيني وخصوصاً في قطاع غزة ثمن هذه المراهنة الخاطئة.
أما أصحاب النهج الثاني ونقصد منظمة التحرير، وخصوصاً الرئيس أبو مازن فكانوا أكثر واقعية حيث جربوا المراهنة على العرب والمسلمين والمراهنة على الكفاح المسلح كطريق وحيد للتحرير طوال عقود دون جدوى، فتركوا أو جمدوا نهج الكفاح المسلح، وراهنوا على الشرعية الدولية.
والآن وقد وصل النهجان لطريق مسدود، فلا المقاومة المسلحة حتى وإن كانت شرعية استطاعت أن تقضي أو تُنهي وجود إسرائيل الدولة العضو في الأمم المتحدة وتعترف بها غالبية دول العالم بما فيها دول عربية وإسلامية، ولا أصحاب نهج السلام والتودد للمنتظم الدولي حققوا هدف الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ١٩٦٧.
اذن، الحل عمل مراجعة استراتيجية للنهجين للتوصل لقاسم مشترك والذي سبق أن كتبنا عنه سابقاً في دراسة مطولة تحت عنوان (نحو استراتيجية وطنية متعددة المسارات).
قد يقول قائل (لقد سبق السيف العذل)، فكيف يكون ما تطالب به، وقد فشلت كل الفصائل في كل حوارات المصالحة في التوصل لهذا القاسم المشترك؟!
حياة الشعوب لا ترتهن أو يُحدد مصيرها بحياة الأحزاب والطبقة السياسية، ولا حتى بموازين قوى في زمن ما، بل بإرادة الشعوب وعدالة قضيتها وصمودها على أرضها، وبالرغم مما لحق بالشعب الفلسطيني من نكبات وما يبدو من مظاهر قوة باطشة للعدو، إلا أن هناك ما يمكن البناء عليه للحفاظ على حضور القضية وثبات الشعب، لأن إسرائيل اليوم فقدت كثيراً من أوراق قوتها الاستراتيجية ومكانتها الدولية وجرائم إسرائيل بحق فلسطينيي غزة ودماء وأشلاء الأطفال والنساء وعذابات كل الشعب تركت أثراً في الرأي العام والضمير العالمي ليس من السهل تجاوزه.
وقد يكون في المبادرة السعودية لتشكيل تحالف دولي لتنفيذ حل الدولتين فرصة لاستعادة التوازن ورد الاعتبار ولو نسبياً للنظامين الفلسطيني والعربي، وعلى الكل الفلسطيني توحيد الصفوف ليكون لهم موقف موحد للتعامل مع هذه المبادرة.
قد يقول قائل أيضاً، وهل سنعود مجدداً للمراهنة على الأنظمة العربية؟ وهل الرياض وكل الأنظمة العربية في واقعها الراهن تستطيع أن تفرض على واشنطن وتل أبيب والعالم الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بدولة؟ ولماذا سكت العرب طوال أكثر من عام على حرب الإبادة والتطهير العرقي بحق شعب فلسطين وترك لإيران المجال لتحول قضية فلسطين من قضية وطنية وعربية إلى قضية تتحكم بها إيران وتصبح مرجعية أي حل لها ولحرب لبنان؟ والسؤال الأهم هل المبادرة السعودية الجديدة بديل عن المبادرة العربية للسلام 2002، وهي مبادرة سعودية أيضاً وتربط السلام والاعتراف بإسرائيل من طرف العرب بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وقيام دولة فلسطينية؟
كلها أسئلة مشروعة ولكن السياسة لا تعرف الفراغ وحتى إن جاءت المبادرة متأخرة أو محاولة لقطع الطريق على إيران ومحورها، أو تمهيداً للتطبيع مع إسرائيل أو كانت بتنسيق مع الدولة العميقة في واشنطن.. إلخ، فإنها المبادرة الوحيدة المطروحة عربياً ودولياً ولا يمكن تجاهلها. وعندما يتعلق الأمر بمصير الشعب والقضية فيجب عدم تجاهل أية مبادرة حتى وإن كانت محاطة بالالتباس والغموض ما دامت القيادة الفلسطينية وكل الأحراب لا تملك خياراً بديلاً، وهي على كل حال ليست بديلاً عن المسار الوطني لتحقيق الوحدة الوطنية بل إن التقدم في هذا المسار ضروري لتعزيز الجهود العربية والدولية لوقف العدوان، وتحيين حل الدولتين حتى كمراهنة محفوفة بالمخاطر وغير مضمونة النتائج في ظل الحكومة اليمينية الإسرائيلية الراهنة.