التقى نصر الله عشر ساعات ، ظنها ساعة واحدة

لقطة الشاشة 2024-11-11 101549.png
حجم الخط

بقلم حمدي فراج

 لا تنتهي حياة العظماء ، بانتهاء أعمارهم او آجالهم في الدنيا بغض النظر عن اين ستذهب أجسامهم من حيث يعتقدون و يؤمنون . بعض هؤلاء العظماء لا يقتصر بقاءهم على ما خلّفوه من إرث فلسفي او علمي او أدبي او ديني ، دام لآلاف السنين ، و لكن على سيرة حياة و منهج سلوك قارب على اجتراح المعجزات ، و من بين هؤلاء حسن نصر الله الذي اغتالته إسرائيل يوم 27 أيلول الماضي ، و جعلت في هذا الاغتيال إنجازا عظيما لا يضاهيه أي انجاز آخر ، ليس فقط خلال هذه "الحرب" التي تدخل سنتها الثانية دون أن يبدو نهاية أفق لها ، بل عبر تاريخها المفعم المرصع بمثل هذه الاغتيالات .

كيف اصبح هذا الانسان عظيما ، و هو ليس سقراطا ينزل الفلسفة من السماء الى الأرض ، و لا نبيا يشيع رحمة الله و عدالته بين الناس ، و لا أبوقراطا في الطب ، تجعل كل طبيب متخرج حديثا في العالم ان يقسم قسما يحمل اسمه ، و لا متنبيا أو شكسبيرا لديه من ثروة الكلمات أغنى واكثر مما يملكه "ماسك" من مليارات جعلته اليوم وزيرا ، و غدا لربما رئيسا .

لم تتجسد عظمة نصر الله في انه كشف حقيقة دولة إسرائيل التي أشيع انها دولة اليهود ، داحضا ذلك ، على انها دولة احتلال و عنصرية و أسلحة و سجون و اعتداءات ثم ابادات و تطهير عرقي ، شخّصها بدقة ، بدون رتوش و بدون خوف واطلق عليها دولة العنكبوت . عظمته تجسدت في انه حاربها ، حين شكل محورا للمقاومة يمتد من ايران غير العربية ، الى اليمن حيث البحر الأحمر ، العربي من شماله الى جنوبه ومن شرقيه الى غربية ، و المضيق الذي مات جمال عبد الناصر و هو يحلم ببسط سيطرته العربية عليه . و ماتت الجماهير التي عاصرته و هي تهتف "عبد الناصر يا حبيب اضرب اضرب تل ابيب" .

عظمة نصر الله انه لبى دعوة الجماهير و رغبة ناصر ضرب تل ابيب بعد نحو ستين سنة ، بل لقد حول تل ابيب و حيفا و اللد وصفد و قيساريا وطبريا و السبع و ايلات الى محط قصف و هروع يومي بالملايين الى الملاجيء .

ولكي تعرف أهمية ما بين يديك ، انظر الى ما بين يدي خصمك ، انظر الى ما هو عليه أي زعيم عربي ، تعرف عظمة نصر الله ، و تزداد درجة هذه العظمة ، عندما تحصل في جزء منها على صك من أعدائه ، صك الاستهداف و الاغتيال "الاستشهاد" ، و من هذه المسلمات الايثارية الثلاثة (التشخيص و المعالجة / المحاربة و الاستشهاد" يخلد نصر الله ، من بين عشرات بل مئات القيادات العربية التي لم تجرؤ يوما على رفع اصبعها في وجه إسرائيل ، بل ذهبت الى مسالمتها و التنسيق معها لمحاربة نصر الله و محوره . لا يمكن لها ان تخلد في أوساط شعوبها ، ولا حتى عائلاتها ، بل محط تندر و احتقار . 

   نقل عن الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل قوله انه التقى بملك عربي لمدة ساعة ، ظن انها عشر ساعات ، و أنه التقى حسن نصر الله عشر ساعات ، ظن انها ساعة واحدة .