منذ عقود طويلة وإسرائيل تحلم بابتلاع الضفة الغربية وضمها وتهجير كافة الفلسطينيين، وطيلة السنوات الماضية سعت إلى تطويق الضفة ببناء المستوطنات وتوسيعها وأن تضخ إليها المستوطنين والمتطرفين الذين «لا شغلة ولا عملة» لهم سوى ترهيب وترويع الفلسطينيين وتخريب ممتلكاتهم ودفعهم للهروب من ديارهم.
بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي، واحد من الأصوات النشاز التي تدعو إلى قتل وتهجير الفلسطينيين وبسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وكذلك هو أحد الشخصيات النافذة في صناعة القرار من حيث تغيير الطابع الديمغرافي والجغرافي للضفة.
سموتريتش هذا هو جزء من «الماكينة» الإسرائيلية الرسمية التي تبحث في كافة الطرق لشرعنة بسط السيادة على الضفة، إذ يعتبر المشروع الاستيطاني التوسعي أقوى ذراع لدى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لربط وإيصال الضفة الغربية بإسرائيل جغرافياً وديمغرافياً.
المشكلة أن الكثير من دول العالم استنكرت السياسات الإسرائيلية الاستيطانية، وفي عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما لم تكن العلاقة «سمن على عسل» مع رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو، وأصل الخلاف تمحور في مواصلة إسرائيل توسيع الاستيطان في الضفة.
أوباما لم يتمكن من فعل أي شيء مع إسرائيل، وإدارة الرئيس بايدن قدمت كافة المساعدات لتمكين تل أبيب من استكمال مخططاتها السياسية والاستيطانية في فلسطين المحتلة، وسموتريتش يتوقع من إدارة الرئيس المنتخب ترامب مواصلة تقديم الامتيازات لإسرائيل على حساب الفلسطينيين.
بالنظر إلى الخرائط الحالية لواقع الضفة الغربية لم تعد هناك سيادة فلسطينية كاملة بالمعنى الحقيقي في المنطقة المصنفة «أ» التي يفترض أنها خاضعة للسيطرة الفلسطينية، إذ لا تتجاوز هذه المنطقة نسبة 18% من المساحة الإجمالية للضفة الغربية.
ثمة تداخل في المناطق «أ» و»ب» و»ج» بما يمنع من التواصل الديمغرافي والجغرافي الفلسطيني ويعيق التنمية ويربك حياة الفلسطينيين، خاصةً وأن المشكلة لا تتعلق بالتوسع الاستيطاني في الضفة وحسب، بل باقتحام قوات الاحتلال المتواصل لهذه المناطق وتحديداً المناطق التابعة للسيطرة الفلسطينية.
سموتريتش يعتبر أداة أو «دمية» إن صح التعبير في يد رئيس الحكومة نتنياهو، لأن الأخير هو صاحب مشروع التغول الاستيطاني حتى ابتلاع الضفة بالكامل، وكلاهما -سموتريتش ونتنياهو- ينتظران وصول دونالد ترامب إلى السلطة ومباشرة مهامه الرئاسية حتى يحققا نبوءة «الضفة الغربية في بطن إسرائيل».
كل ذلك يأتي أيضاً تحت يافطة أن قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة يشكل خطراً استراتيجياً على أمن إسرائيل، والتسويق الإسرائيلي لاعتبار السلطة الفلسطينية غير قادرة على ضبط الوضع الأمني في الضفة، ومن المحتمل أن تنقلب على إسرائيل وتعمل ضدها من فوق الطاولة أو من الباطن.
حتى يسوق نظرية أن إسرائيل محاطة بالأعداء، يسعى نتنياهو إلى شيطنة السلطة الفلسطينية، ويرفض أن يكون لها دور رئيسي في قطاع غزة بعد نهاية الحرب التي تشنها إسرائيل عليها، وفي المقابل يعطي كل الأوامر والتسهيلات لأعضاء حكومته حتى يستعجلوا ضم الضفة الغربية.
فلسطين لم تكن في أفضل حالاتها حينما كان ترامب في السلطة، إذ زادت عمليات الاستيطان في الضفة بوتيرة عالية، واعترف الرجل بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارته إليها، واعترف أيضاً بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، ما اعتبر آنذاك انقلاباً أميركياً على القوانين الدولية.
قد يأخذ ترامب في ولايته الرئاسية الثانية قراراً يعطي إسرائيل الحق في ضم الضفة الغربية، وربما يدفع باتجاه نقل السلطة الفلسطينية بكوادرها وأجهزتها ومؤسساتها إلى قطاع غزة، وحشر فلسطينيي الضفة الغربية في معازل جغرافية بعيدة عن تل أبيب.
لدى إسرائيل مشكلتان مع قطاع غزة والضفة الغربية، الأولى أن غزة تشكل خطراً على أمن إسرائيل من حيث القوة العسكرية وتهديدات الصواريخ قصيرة المدى، وأما على صعيد الديمغرافيا فقد تتجاوز هذا الإطار بشرط حرمان غزة من كل عناصر قوتها وحشرها في المنتصف وإبعادها عن ما يسمى المناطق الحدودية المحرم دخولها فلسطينياً.
أما بالنسبة للضفة الغربية فهناك معضلة كبيرة بالنسبة لإسرائيل تتمحور في البعدين الديمغرافي والجغرافي، إذ تمكنت بشكل أو بآخر من منع الفصائل الفلسطينية امتلاك أسلحة ذات قدرات تدميرية كما هو حال الصواريخ، لكنها غير قادرة على تحييد الفلسطينيين ومنعهم من الوصول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إسرائيل تجد خطورة في تنامي التعداد السكاني الفلسطيني في الضفة، ولذلك تفعل المستحيل من أجل التحويط على الضفة الغربية ومنع الفلسطينيين من التواصل الجغرافي وعصرهم بطريقة يستصعبون فيها العيش بطريقة آدمية.
سموتريتش يجسد هذه السياسة العنصرية وطبعاً يقف خلفه نتنياهو والحكومة الإسرائيلية بأكملها، والطامة الكبرى أن المجتمع الدولي وفي القلب منه العالم العربي، جميعهم يحذرون ويستنكرون مثل هذه الأفعال ولا يقابلونها بخطوات تمنع إسرائيل من فرط عقد الضفة الغربية.
إذا ظل المجتمع الدولي متواضعا في تصريحاته وتحركاته، ولا يخرج عن دائرة الرفض اللفظي والاستهجان، فقد يأتي يوم على فلسطين تشهد فيه ابتلاع الضفة الغربية واستفراد إسرائيلي بالقرار الفلسطيني ومصادرة حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.