مرحلة المنخفضات السياسية

177
حجم الخط

ينتهي المنخفض الجوي لتبدأ مرحلة انخفاض سياسي. الحال متشابه فمثلما ارتبك الراصدون الجويون مراراً هذا العام، يرتبك الراصدون السياسيون في معرفة المنخفضات السياسية.

فجأة يصحو «ضمير» رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية هاليفي، فيقدم عرضاً مأساوياً للوضع الإنساني في قطاع غزة نظراً لتداعيات الحصار الخطيرة على السكان. ما يهم هاليفي هو أنه متأكد من أن الانفجار قادم، لكنه يخشى أن يحصل هذا الانفجار في وجه إسرائيل. 

لا يقدم هاليفي نصيحة محددة للمستويات السياسية والعسكرية، وكأنه إما انه يدعو إلى توجيه ضربة استباقية، لقطاع غزة لإخماد البركان قبل أن ينفجر، وإما أنه ينصح بتفعيل قنوات التوسط التركية والقطرية مع حركة حماس للإفراج عن القطاع مقابل هدنة طويلة.

ولكن ربما يرغب البعض في إسرائيل بدمج الحلين معاً، بمعنى أن ثمة ضرورة لشن عدوان كبير على قطاع غزة، تقوم من خلاله إسرائيل بتدمير شبكة الانفاق العابرة للحدود، والقدرة القتالية لفصائل المقاومة، ينجم عنه مفاوضات تؤدي إلى التوصل لاتفاق يحقق لإسرائيل هدنة طويلة، ويعطي سكان القطاع فرصة انفراجات تنفس حالة الضغط، وتدفع القطاع بسكانه بعيداً نحو أن تمخر سفنهم عباب البحر أو تولي وجهها نحو الصحراء.

يستند هاليفي إلى نتائج التقارير الدولية التي سبق أن أشارت إلى أن قطاع غزة لن يكون صالحاً للحياة في عام 2020، لكنه يرتكن إلى غياب دور المجتمع الدولي الذي يخلي مسؤولية إسرائيل كدولة احتلال عن الكارثة الإنسانية التي تجتاح قطاع غزة، بل انه ربما أراد من المجتمع الدولي أن يتفهم الحل الإسرائيلي، وأن يصمت على المزيد من الجرائم التي سيضطر الاحتلال لارتكابها. 

على الطرف الآخر تبدي إسرائيل فشلاً في استخدام وسائل العنف ضد الانتفاضة في الضفة الغربية، فتتقدم برزمة من التسهيلات الاقتصادية التي تأتي في سياق السلام الاقتصادي الذي تتبناه الحكومة المتطرفة.

إسرائيل ستزيد عدد تصاريح العمل، لتشمل عدا عمال الإنشاءات الذين تستخدمهم في بناء المستوطنات، أطباء للعمل في مستشفياتها، وفنيين يعملون في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات... إلخ، أي أنها تريد زيادة عدد العمال المنتفعين ليشكلوا دروعاً فلسطينية بشرية، وامتصاص عدد من أهل الكفاءات الفلسطينية الخاصة، وبما يؤدي إلى امتصاص نسبة من العاطلين عن العمل، وتحسين مستوى المعيشة. يعتقد وزير المالية كحلون أن خطته الاقتصادية من شأنها أن تشكل من ناحية قيداً على القيادة السياسية حتى تمتنع عن اتخاذ قرارات بشأن وظيفة السلطة طال انتظارها، وأن يخفف ذلك عن السلطة بعض الأعباء المالية والاقتصادية، ومن ناحية ثانية هي محاولة لعزل الانتفاضة عن بعدها الشعبي تمهيداً لمحاصرتها وتوليد حالة ضغط شعبي عليها. على أنه يغيب عن بال صانع القرار السياسي الإسرائيلي، أن أسباب الانتفاضة ليست اقتصادية، وإنما هي وطنية سياسية بامتياز وسببها الرئيس هو الاحباط إزاء إمكانية تحقيق الانعتاق الوطني، واستمرار إسرائيل وأجهزتها الأمنية والعسكرية في قمع الفلسطينيين والمسّ بكرامتهم.

في الحقيقة يعرف الإسرائيلي أن أصل الأزمة ليس اقتصادياً أو معيشياً، وأن الأصل له علاقة وثيقة بالوطنية الفلسطينية، لكن الإسرائيلي لا يرى حلاً لأزمة الوطنية الفلسطينية عبر مفاوضات تقوم على التسليم بحقوق الفلسطينيين، ولذلك فإن صاحب القرار في إسرائيل سيظل يناور بين الحل الأمني والحل الاقتصادي، ما يشكل ضمانة أكيدة لاستمرار الانتفاضة، وتجددها.

منخفض سياسي آخر على الصعيد الفلسطيني، فبعد أن انتظر الراصدون جولة ثانية من الحوار بين فتح وحماس في الدوحة كان مقدراً لها أن تتم يوم الاثنين الماضي، خرج على الجميع عضو اللجنة المركزية لحركة فتح اللواء جبريل رجوب، ليقول ما معناه ودعوا أية لقاءات في الدوحة، ويشير إلى أن اجتماعات اللجنة المركزية والمجلس الثوري للحركة سيجتمعان في بداية الشهر القادم لاتخاذ قرارات صعبة وحاسمة. يترافق ذلك مع تصريح لعضو اللجنة المركزية لفتح اللواء توفيق الطيراوي يحذر فيه من أن الرواتب قد تنقطع عن الجميع، بدون أن يوضح المقصود بالجميع، أو أن يوضح طبيعة القرارات التي قد تؤدي إلى قطع الرواتب.

وبدلاً من أن يتحرك عضوا اللجنة المركزية للحركة نحو الدوحة يتوجه هو والدكتور صائب عريقات إلى القاهرة فيما يبدو أنه جهد يستهدف بحث موضوع القرارات الصعبة المطروحة أمام اللجنة المركزية طلباً للنصيحة والدعم، فضلاً عن إعادة تسليم ملف المصالحة إلى أصله. هل ينجح الراصدون السياسيون في أن يفككوا ألغاز هذه المنخفضات السياسية، في ضوء انغلاق صندوق المعلومات؟ على الأرجح أن هؤلاء الراصدين لن يكونوا أحسن حظاً من زملائهم الراصدين الجويين.