الاحتفالات بـ "القدس الموحدة" قد تشعل حريقاً في المنطقة

20162402210634
حجم الخط

في الجيش الاسرائيلي يحبون الأساطير. وهاكم واحدة منها: قبل سنوات نشبت في قاعدة سلاح الجو في تل نوف حرائق غريبة الواحد تلو الاخر. وكانت الاضرار جسيمة. وحطم رجال السلاح والشرطة العسكرية رؤوسهم اياماً وأسابيع لمعرفة كيف نشبت ولماذا. فحصوا وفحصوا الى أن لاحظوا ان الضابط المسؤول عن اطفاء الحرائق، يكاد يكون هو أول من يصل الى مركز الحريق، وينال الثناء من قائد القاعدة على «يقظته» في العثور على النار وإطفائها. ووقع الاشتباه به، ولاحقا وجدت أدلة ايضا. فقد تبين بأن ذاك الضابط كان يرغب في ترفيع رتبته وكان هذا هو سبيله: أن يشعل النار وان يطفئها بأسرع وقت ممكن، وان يتميز المرة تلو الاخرى. وعلى حد روايتنا فان هذه هي القصة، وان لم أكن دقيقا هنا وهناك فهذا يرجع الى خيانة ذاكرتي.
لماذا خطرت هذه القصة بالذات على بالي؟ لانه نشر في وسائل الاعلان نبأ عن نية وزير التعليم أن يرفع في السنة القادمة القدس الموحدة على رأس فرحتنا، بصفتها الموضوع المركزي لاحتفالات اليوبيل بـحرب «الايام الستة». وسيقول الاسرائيلي المتوسط لذاته: بينيت محق. أي فرحة لنا لنرفعها في سيناء؟ وفضلا عن ذلك فثمة اتفاق سلام مع مصر، وهم سيغضبون اذا ما ذكرناهم بتلك الايام. ومع الاردن يوجد سلام ايضا. فماذا سنرفع على رأس فرحتنا؟ احتلال طوباس؟ قبر يوسف الذي على ما يبدو ليس قبر يوسف؟ لقد كان الاردنيون يرغبون في أن يشطبوا قصة «الايام الستة». هضبة الجولان؟ فأي سورية بالضبط سنغضب؟ هناك من يقول من المشكوك فيه أن يكون هناك حتى السنة القادمة دولة تسمى سورية.
الفكرة، إذاً، استثنائية: الموضوع المركزي للاحتفالات سيكون القدس الموحدة. حول هذا الموضوع يمكن تحقيق مكاسب سياسية داخلية. الكل يحب القدس. هذه المدينة ضحينا بارواحنا في سبيلها. اليها تطلعنا واليها حلمنا. وماذا سيقولون في دول العالم؟ نحن، حكماء صهيون، سننجح على ما يبدو في أن نتخاصم معها جميعها ايضا. لعل ميكرونيزيا تقدم لنا معروفا وتصمت.
ودرءاً لسوء الفهم: القدس جديرة بان تكون في مركز احتفالات اليوبيل، رغم أن الخلافات حول وحدتها تتجاوز المحيط، الدول، المنظمات الدولية، والاحزاب. لقد كانت القدس دوما القلب النابض للشعب اليهودي. نحوها نتوجه إليها في صلاتنا، ومن أجلها نظمنا القصائد. وهي لنا الى الابد. ولكن هذه هي القدس ذاتها التي في نهاية حرب «الايام الستة»، حين خيل لنا اننا أسياد العالم، صدر أمر لتوسيع حدودها واضيف لها من هنا ومن هناك، بما في ذلك 28 قرية عربية. قال المهرجون في حينه ان حدودها تصل الى نطاق لبيت دجن قرب تل ابيب.
لقد كلفتنا هذه البدعة ثمنا سياسيا قاسيا: فتكاد لا تعترف أي دولة في العالم بالقدس «الموحدة» كعاصمة لدولة اسرائيل. لا توجد اليوم، باستثناء واحدة أو اثنتين، أي سفارة اجنبية في القدس. كل السفارات الاخرى انتقلت الى تل أبيب في اعقاب سياسة «سنري كل العالم من أين تبول السمكة». كشرنا، ارينا العالم، والعالم أدار لنا ظهره. الاحتفالات حول «القدس الموحدة» من شأنها أن تشعل حريقا في العالم العربي، وربما ايضا ان توحد العالم المحطم هذا ضدنا.
صحيح أننا دولة سيادية من حقها أن تقرر كل ما يروق لها، ولكن لماذا يتعين علينا ان نبعث في الخفاء بالمبعوثين الى ارجاء المعمورة كي نستجدي اصبعا آخر في الامم المتحدة؟ لماذا يتعين على رئيس الوزراء ان ينتج المعاذير في المكالمات الهاتفية عابرة المحيط؟ ان يدعو السفراء كي يجمع التفهم والنية الطيبة؟ فنحن قبل كل شيء نشعل النار، وبعد ذلك نطفئها، وبعدها ننتظر كلمة طيبة، ثناء، وترفيعاً في الرتبة، ما يعيدنا الى تلك البداية في هذا المقال.