هل نحن في موسم الاتفاقات؟

تنزيل (3).jpeg
حجم الخط

الكاتب: هاني عوكل

 

دخل قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بين إسرائيل و»حزب الله» اللبناني، بعد أكثر من عام على الاشتباك بين الطرفين، ومساعٍ دولية وأميركية في الأساس لتحييد «حزب الله» عن مشهد الصراع والاستفراد بالملف الفلسطيني والحرب المتواصلة على قطاع غزة.
إسرائيل التي عانت الكثير من صواريخ «حزب الله» على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والديموغرافية، بدت مستعدة ومعنية للموافقة على هدنة مع لبنان، لكن أيضاً بعد أن تمكنت من تهيئة الظروف المناسبة للانخراط في مفاوضات ما بعد مرحلة وقف إطلاق النار.
في السابق كان الوضع مختلفاً مع إسرائيل على جبهة الشمال ولم تكن في وارد القبول بهدنة مع «حزب الله»، إلا حينما تحقق كل أهدافها أو البعض منها، وفي حقيقة الأمر لا بد من الاعتراف بأن إسرائيل تمكنت من إضعاف «حزب الله» بعد أن استهدفت أهم قيادته السياسية والعسكرية وعلى رأسها الأمين العام للحزب حسن نصر الله.
مع ذلك وعلى الرغم من إضعاف «حزب الله» سياسياً وعسكرياً، إلا أنه ظل قادراً على تهديد إسرائيل وإرسال الصواريخ والطائرات المسيّرة، وتمكن من إحداث أضرار بالغة في البنية الديموغرافية الإسرائيلية، بما يشمل حركة هجرة ونزوح كبيرة لآلاف الإسرائيليين من منازلهم.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحتاج إلى هذا الاتفاق حتى يقدمه هدية لدى الرأي العام الإسرائيلي، وتحديداً سكان الشمال، وحتى يثبت أنه في موقع المسؤولية وقادر على تحقيق الأمن، لكنه بالتأكيد سيعدد البطولات التي حققها في مربع لبنان، وسيخرج أمام الجميع بأنه الشخص الذي جلب النصر للبلاد.
كذلك قد يكون هناك نوع من الاتفاق بين نتنياهو ورئيس الولايات المتحدة الأميركية المنتخب دونالد ترامب بشأن ضرورة الوصول إلى اتفاق وإنهاء الحرب، على اعتبار أن الثاني قال في حملاته الانتخابية قبل فوزه: إنه سينهي الحرب في لبنان وغزة.
من المحتمل أن يعمل نتنياهو على سياسة تخفيض التصعيد قبل استلام دونالد ترامب مقاليد السلطة في العشرين من كانون الثاني 2025، والسبب قد يكون له علاقة بترتيب أوضاع إسرائيل سياسياً واقتصادياً وأمنياً في مرحلة ما بعد الحرب.
اتفاق الهدنة هذا بين إسرائيل ولبنان ربما جاء على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب»، إذ سيجري تطبيق بنود قرار مجلس الأمن الدولي 1701، بما يشمل انتشار الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني وبتعداد حوالى 10 آلاف عسكري، وانسحاب تدريجي للاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان، وكذلك تمركز قوات «حزب الله» شمال الليطاني.
المعركة العسكرية لم تحسم بين إسرائيل و»حزب الله» اللبناني، وما جرى من اتفاق بينهما هو إعادة إحياء قرار 1701، مع ضمان تعزيز سيطرة الجيش اللبناني على جنوب الليطاني، وبالتأكيد لن تمارس إسرائيل سياسة «التفرج» على «حزب الله»، بل ستعمل على منع وصول شحنات الأسلحة إليه من إيران.
كذلك ستمارس نشاطها الاستخباراتي المعتاد لتتبع كل نشاطات وحركات مسؤولي وأعضاء الحزب، وبالتالي يمكن القول: إن اتفاق وقف إطلاق النار لن يسدل الستار على مرحلة الحرب هذه، بقدر ما هو استراحة مقاتل بين الطرفين تمهيداً لمرحلة مستقبلية من عودة الصراع.
قد يتساءل الكثيرون عن حال قطاع غزة بعد هذا الاتفاق، وهل من الممكن أن يُشكّل مُقدّمة لاتفاق آخر مع حركة «حماس» ينهي عدواناً قاسياً ووحشياً على الفلسطينيين؟ وهل من الممكن أن نتنياهو سعى للاتفاق حتى يستفرد بالساحة الفلسطينية ويتفرغ لغزة؟
في الحقيقة لا يوجد جواب واضح عن هذه التساؤلات، باستثناء أن إسرائيل تريد أن تخرج من هذه الحرب بصورة المنتصر وكذلك تريد أن تُرسّخ فرضية هزيمة «حماس»، بما يستتبع ذلك من سيناريوهات متعلقة بصفقة تسمح لإسرائيل بالوجود الدائم في غزة أو ابتلاع الأراضي الحدودية تحت ما تسمى المناطق الآمنة.
إسرائيل، نعم، ترغب في فصل المسارات بما يتيح لها تطويق «حماس» وجعلها مرنة في التعامل مع المتطلبات الأمنية الإسرائيلية واشتراطاتها، ولذلك قد تواصل الضغط العسكري خصوصاً في شمال غزة حتى تحقق بالحد الأدنى بعض الأهداف التي وضعتها لغزة.
نتنياهو إما أنه سيمضي في اتفاق مع حركة «حماس» ويتوقف العدوان على غزة في المرحلة التي تسبق تولي ترامب السلطة، أو أنه سينتظر إلى حين وصول سيد البيت الأبيض إلى الحكم، وحينذاك سينخرط الأخير بشكل رئيسي في إنهاء الحرب حتى يكون عند كلمته.
غير أن المشكلة في طريقة إنهاء الحرب، لأن ترامب بالتأكيد سيقف في صف صديقه بنيامين نتنياهو، وبالتالي الله أعلم كيف سيكون مستقبل القضية الفلسطينية برمّتها، ودون شبكة أمان عربية وإسناد دولي، لن يكون هناك أمل في تحصيل حقوق الشعب الفلسطيني التي لا يعترف بها كل من نتنياهو وترامب.