جَردَة حساب أوّلية

تنزيل (9).jpeg
حجم الخط

الكاتب: طلال عوكل

 


توقّف القتال على جبهة المواجهة اللبنانية الإسرائيلية، ولم تتوقّف الحرب العدوانية هناك، هكذا يعلن بنيامين نتنياهو، في مواجهة الأغلبية التي تطالب باستمرار الحرب حتى القضاء على «حزب الله» اللبناني، والمقاومة اللبنانية.
ومنذ اليوم الأوّل لسريان اتفاق وقف إطلاق النار على أساس القرار 1701، لم تتوقّف الخروقات الإسرائيلية جوّاً وبرّاً، بينما يتحلّى لبنان بالصبر، وهو يدرك أنّ نتنياهو لم يذهب لتوقيع الاتفاق مقتنعاً وإنّما بسبب الضغط الفعّال الذي مارسته إدارة بايدن، بالتوافق مع الرئيس دونالد ترامب.
هي أيّام أو أسابيع حتى يُعاود نتنياهو تصعيد الحرب التي إن توقّفت سيتوقّف قلبه عن الخفقان، وإلى ذلك الحين يبحث بكلّ طريقة لإبقاء أو خلق الأسباب والذرائع للعودة إلى الميدان.
حتى «المعارضة» الإسرائيلية، سخرت من الاتفاق على الجبهة اللبنانية وراحت تحرّض على تخليص الحزب من سلاحه، وليس فقط عدم السماح له بإعادة تسليح نفسه وترتيب أوضاعه بعدما تعرّض له.
يرى الكثيرون في دولة الاحتلال، في الحكومة و»المعارضة» على حدّ سواء أنّ اتفاق وقف إطلاق النار، لم يؤدّ إلى استبعاد التهديد من لبنان وأنّ اللبنانيين عادوا إلى قراهم، وبيوتهم حتّى المدمّرة، بينما لم يستطع المستوطنون العودة إلى منازلهم في المستوطنات المتاخمة لجنوب لبنان.
وإلى أن تعود جبهة الشمال إلى الانفجار مرّة أخرى، حيث أبقى جيش الاحتلال على ثلاث فرق، يُعاود التركيز على قطاع غزّة، بمواصلة حرب الإبادة الجماعية العنصرية، عبر قتل وإصابة المدنيين بمعدّلات تفوق الـ100 يومياً، ومواصلة حرب التجويع والتعطيش.
موشي يعالون وزير الحرب الأسبق، يتّهم علناً جيش الاحتلال بارتكاب مجازر تطهير عرقي في شمال القطاع، في اعترافٍ صريح يصدر عن مسؤول كبير.
يردّ عليه وزير خارجية دولة الاحتلال جدعون ساعر، بأنّ هذا الاتهام غير صحيح، وأنّه يضرّ بسمعة دولة الاحتلال، ويطالبه بالتراجع عنه، وربما يتنطّع مسؤول آخر فيتهم يعالون بأنّه معادٍ للسّامية.
نتنياهو يستعجل حسم الأمر في شمال القطاع، وإعلان السيطرة والقضاء على وجود وحكم «حماس»، قبل أن يتعرّض لضغوط أخرى من الرئيسين الراحل بايدن والقادم ترامب، والذي ألحّ على ضرورة وقف إطلاق النار وإعادة المختطفين قبل دخوله البيت الأبيض.
لكن ترامب الذي يستعجل وقف الحرب في غزّة، منح فرصة حتى 20 كانون الثاني المقبل، حتى ينهي نتنياهو المهمّة/ العدوان.
حوالى شهرين لم ينجح جيش الاحتلال في السيطرة على شمال القطاع، وإخلائه من السكان، أمواتاً بالقصف، أو بالجوع، أو بالتوجّه إلى الجنوب، فيما يعلن الجيش أنّه يحتاج إلى أسابيع لكي يُكمل المهمّة/ العدوان.
ولقد بات واضحاً أنّ إدارة بايدن الراغبة في التوصّل إلى اتفاق تهدئة، في القطاع، من خلال إعادة تنشيط الوسطاء السابقين مضافاً إليهم تركيا، تواصل التواطؤ مع حكومة نتنياهو الفاشية، التي تتعمّد حصار كل القطاع، ومنع وصول الغذاء والدواء والمحروقات إليه.
يتحدث بايدن عن الحاجة للتوصل إلى اتفاق، ويهدد بالضغط على «حماس» التي يعتبرها المسؤولة عن التعطيل، رغم اعترافات مسؤولين إسرائيليين بمسؤولية نتنياهو عن ذلك، ولكن ماذا لديه لكي يضغط من خلاله على «حماس»؟
لقد مارست إدارة بايدن ضغطاً شديداً على قيادة «حماس» وأخرجتها من قطر، واتخذت عقوبات بحقّ بعض قياداتها، فلم يبقَ إلّا أن تستخدم سلاح التجويع، مع الضغط المتواصل على المدنيين لإرغام المقاومة على القبول بمقترحاتٍ لا تؤدّي إلى وقف الحرب الإبادية وإنّما إلى هدنة مؤقّتة، وفي المقابل تراجعت اهتمامات الأطراف القريبة والبعيدة عن الساحة، بشأن «اليوم التالي» لأنها باتت تدرك أنّه ليس هناك ما يسمّى بذلك، من واقع إدراكها أنّ نتنياهو يرفض كلّ مبادرة تمنعه من مواصلة السيطرة على القطاع.
وأيضاً، بينما يتأرجح اتفاق وقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية تتصاعد الدعوات في دولة الاحتلال، لنقل بعض الفرق العسكرية إلى الضفة الغربية، التي يرجّح أن تصبح هي الأخرى، واحدة من الجبهات الضامنة لاستمرار حالة الحرب العدوانية، التي ينبغي ألا تتوقف بالنسبة لنتنياهو.
الحرب العدوانية لن تتوقّف لأنّ دولة الاحتلال لم تحقّق أهدافها، لا الاستراتيجية الأولى التي طرحها نتنياهو ولا التكتيكية التي أعاد صياغتها في ضوء فشل الأهداف الكبرى الأولى.
لم يعد سكّان مستوطنات الشمال إلى مستوطناتهم، ولم يسلّم «حزب الله» الرّاية، ولم ينجح جيش الاحتلال، في تصفية المقاومة المسلّحة، أو إنهاء الحكم المدني لـ»حماس» في القطاع، كما أنّ دولة الاحتلال لم تردع إيران.
«حزب الله» أعلن الانتصار لأنّه نجح في منع دولة الاحتلال من تحقيق أهدافها، وكبّدها خسائر فادحة، ومنع جيشها المجرم من احتلال الجنوب اللبناني، وفي المحصّلة، وإذا كانت الصراعات محكومة بنهاياتها، فإنّ مرور 14 شهراً، على الحرب الإبادية التي اصطفّ خلفها «حلف الناتو» بقضّه وقضيضه، من دون أن يحقّق أهدافها.
ما ظهر من النهايات حتى الآن، هو أنّ الشعب الفلسطيني دفع ثمناً باهظاً، شهداء وجرحى، تفوق أعدادهم الـ 150 ألفاً، معظمهم من الأطفال والنساء، وتعرّض القطاع إلى دمارٍ واسع في البيوت السكنية، والبنية التحتية، وكلّ قطاعات الخدمة الصحية، والتعليمية، وفقد لبنان نحو 20 ألفاً من الشهداء والجرحى، وأيضاً هناك دمار كبير في عديد المناطق بما في ذلك العاصمة بيروت، ولكن ما هو الثمن الذي دفعته دولة الاحتلال وحلفاؤها؟
ثمّة عشرات آلاف القتلى والجرحى والمهجّرين وتعطيل الأعمال والدراسة، وهروب آلاف الشركات والاستثمارات ومئات آلاف المهاجرين بلا عودة، واقتصاد على شفير الهاوية.
ولعلّ الأهمّ أن الدولة العبرية باتت منبوذة، ملاحقة من قبل العدالة الدولية، وتراجعت عن دعمها الكثير من الدول الحليفة، وخلقت في المجتمع الغربي تيارات اجتماعية واسعة باتت تتخلّى عن سرديّتها بل إنها باتت تحظى بقدرة أكبر على ممارسة الضغط الفعّال على حكوماتها.
إذا كان نتنياهو قد أفقد دولته هيبتها وصورتها أمام الداخل والخارج بما في ذلك أمام العرب، واعتبر هذه الحرب العدوانية، أنّها حرب البقاء فإنّ الفلسطينيين يتطلّعون لأن تكون هذه الجولة بداية الطريق نحو الحياة.