فجأة وبدون سابق إنذار وبعد أن اعتقد المراقبون والكثير من الناس أن النظام السوري على وشك تصفية حساباته مع خصومه في الداخل وإعلان الانتصار، تخرج هيئة تحرير الشام وعدد من فصائل المعارضة المسلحة وتباغت الجيش السوري في مدينة حلب العاصمة الاقتصادية وتحتلها بالكامل.
هذا الانهيار السريع للجيش السوري أمام مجموعات من المعارضة المسلحة في مدينتي حلب وحماة، يدفع للتساؤل حول توقيت الهجوم ونوعيته وهل له امتدادات إقليمية، وما هو دور تركيا في هذا الجانب وماذا عن إيران وروسيا أكبر داعمي نظام الرئيس بشار الأسد؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من ملاحظة أن روسيا انصرفت إلى الاهتمام في حربها ضد أوكرانيا، بما يشمل سحب بعض العسكريين الروس ومعدات من بينها طائرات حربية ودبابات وأنظمة الدفاع الجوي «اس 300»، وكذلك الحال بالنسبة لإيران التي وجهت كل إمكاناتها للتعامل مع التهديدات الإسرائيلية.
موسكو التي قدّمت كل أنواع الدعم لمنع سقوط نظام الأسد، اضطرت إلى ترك سورية مؤقتاً لاعتقادها أن الجيش السوري قادر على صد أي تهديدات داخلية، في ظل ضعف مختلف الفصائل المعارضة التي حاربها نظام الأسد منذ أكثر من 13 عاماً.
أيضاً ظنت إيران أن التهديدات في سورية لم تعد كبيرة كما كانت في السابق، وأن الجيش السوري يمتلك الإمكانيات للتعامل معها، إلى جانب أن الضربات الإسرائيلية المتوالية على مسؤولين وأهداف إيرانية، جعل طهران تخفض مستوى وجودها العسكري في الشام.
الحليف الآخر للنظام السوري وهو «حزب الله» اللبناني استدعى كل مقاتليه من سورية على وقع الجبهة التي فتحها مع إسرائيل في جنوب لبنان، ما وضع النظام السوري في موقع الطرف الوحيد في حال استجدت أي معركة مع قوى المعارضة السورية المسلحة.
إذاً، يمكن القول، إن غياب الأطراف المتحالفة مع النظام السوري عن ساحة المعركة جعل الأخيرة في ورطة أمام الهجوم المباغت الذي شنته هيئة تحرير الشام مع فصائل أخرى من بينها الجيش الوطني السوري أو ما يعرف بالجيش الحر.
على المستوى الداخلي المتعلق بعقيدة الجيش النظامي السوري، من المهم ملاحظة أنه استنزف على كافة المستويات في ظل قتال طويل. أضف إلى ذلك أن تدهور قيمة الليرة السورية وضعف الرواتب أثّرا بشكل كبير على معنويات الجندي الذي يتساءل عن السبب في التضحية مقابل راتب لا يتجاوز العشرين دولاراً.
هذا الهبوط الحاد في المعنويات القتالية، أفزع الرئيس بشار الأسد وجعله يتخذ إجراء يقضي برفع رواتب الجنود بنسبة 50%، ولكن حتى مع هذه النسبة ووسط تدهور قيمة العملة المحلية، لن يتمكن الجندي من استيفاء متطلبات المعيشة.
تضاف إلى كل ذلك عوامل تتعلق بحالة «الرخرخة» التي عاشها الجيش السوري في الفترات الماضية بسبب قلة العمليات العسكرية والاعتقاد بأن النظام السوري حقق النصر الكامل وأزال معظم التهديدات ولن تكون هناك عودة أخرى للتمرد من قبل كل أصناف المعارضة السورية.
على الجهة الأخرى، أدخلت هيئة تحرير الشام أسلحة جديدة في ساحة المعركة مكنتها من تحقيق تقدم سريع ضد الجيش السوري، يشمل ذلك الطائرات المسيّرة التي قلبت موازين القوى بين الطرفين، وكذلك صواريخ قصيرة وطويلة المدى.
واضح أن هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى كانت تتحضر لمثل هذه المعركة، والدليل أنها عملت طيلة أكثر من خمس سنوات تقريباً على إنتاج أسلحة محلية، والحصول على أسلحة أخرى سواء من قبل تركيا أو نهبها في معارك جانبية مع الجيش السوري.
كما أنها بالتأكيد مدفوعة من قبل أطراف خارجية للمضي في مناورة عسكرية تحمل أبعاداً سياسية، إذ تتبع بعض فصائل المعارضة المسلحة الدولة التركية، والأخيرة تستخدمها ورقة في إعادة صياغة المشهد السوري وتوظيفه لخدمة المخططات التركية، بما يشمل إقامة تركية دائمة في الشمال السوري.
ربما حرّكت أنقرة أدواتها العسكرية في سورية بعد أن راقبت الفراغ الناتج عن غياب أو ضعف الوجودين الروسي والإيراني هناك، وكذلك قد يكون ذلك ضغطاً سياسياً من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان لنظيره السوري الأسد بهدف التفاوض حسب الشروط التركية.
على كل حال، من السابق لأوانه القول، إن النظام السوري قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، وقد تشهد الأيام المقبلة تحولات في طبيعة المواجهات لصالحه، لأن روسيا لن تقبل بسقوطه وكذلك الحال بالنسبة إيران. يضاف إلى ذلك الإجراءات التي يتخذها الرئيس الأسد لمنع تقدم المعارضة المسلحة باتجاه دمشق وحسم المعركة في مربعات حلب وإدلب وحماة.
ثم إن تكتل المعارضة المُسلحة يضم أيديولوجيات مختلفة في التوجهات السياسية والفكرية، وقد يؤدي هذا العامل إلى حدوث قتال داخلي وتصفية حسابات فيما بينها، ما يدفع للتشكيك بإمكانية تحقيق اختراق جوهري يسمح بحسم المعركة عسكرياً.