بين أنقاض "مركز رشاد الشوا" الثقافي المدمر غرب مدينة غزة، يجلس خضر جنيد محاطا بأطفاله السبعة حول نار أوقدها في علبة صفيح مهترئة، بعدما اضطر إلى اتخاذ هذا الصرح الثقافي الذي كان يوما رمزا للفن والثقافة مأوى لعائلته.
لم يتبق من المركز سوى جدران أسمنتية متناثرة وركام، فيما تحولت قاعات المسرح والمعارض التي كانت ذات يوم تعج بالزوار، إلى مأوى بائس لعائلة جنيد التي نزحت من شمال غزة، هربا من قذائف وصواريخ قوات الاحتلال الإسرائيلي.
يقول جنيد الذي نزح قسرا مع عائلته من مخيم جباليا بعد قصف منزلهم وإجبارهم من قوات الاحتلال إلى مدينة غزة: "نزحنا للمرة العاشرة، وهذه المرة إلى أنقاض هذا المركز المدمر. لم نحمل معنا أغطية ولا ملابس، فقط أرواحنا".
اليوم، يفتقد "مركز رشاد الشوا" الثقافي نبض الفعاليات والأنشطة التي كانت تملأ أرجاءه، فيما يلف السكون الكئيب المكان.
ويضيف جنيد في حديث للأناضول: "حتى هنا، لم نسلم من البرد القارس. نلتف حول هذه النار لنشعر ببعض الدفء، ونحتمي بالجدران المتبقية من هذا المركز". ويبقى جنيد مستيقظا طوال الليل ليحافظ على النار مشتعلة؛ خوفا من أن يفتك البرد بأطفاله أو أن يحدث مكروه.
تأسس مركز رشاد الشوا عام 1988، وأصبح منذ عام 1992 فضاء ثقافيا حيويا يحتضن المواهب الشبابية والفنية في القطاع.
كان المركز يتألف من ثلاثة طوابق تضم ثلاث قاعات متعددة الاستخدام، ومسرحا، ومكتبة ضخمة تُعرف باسم "مكتبة ديانا تماري صباغ"، تحوي أكثر من 100 ألف كتاب. كما كان يحتضن مقهى ثقافيا أُضيف حديثا ليكون ملتقى للمثقفين، بالإضافة إلى مطبعة تاريخية قديمة، ما جعل منه رمزا ثقافيا فريدا قبل أن يُحول القصف الإسرائيلي ملامحه إلى أنقاض.
وفي زاوية أخرى، تجلس الفلسطينية فاطمة السيد على كرسيها المتحرك، وهي مسنة أنهكتها الحياة، وارتسمت على وجهها خطوط تجاعيد تحكي قصة صبرها ومعاناتها.
بصوت مرتجف، تروي فاطمة لمراسل الأناضول تفاصيل مريرة عن رحلتها أثناء النزوح وإقامتها في هذا المركز المدمر. وتقول: "طلبت منا قوات الاحتلال مغادرة شمال قطاع غزة. خرجنا مسرعين وتركنا كل شيء وراءنا؛ ملابسنا، أغطيتنا، والفراش. كنا نركض لننجو بأرواحنا فقط. في تلك الليلة، اضطررنا للنوم في العراء وسط البرد القارس، بلا أغطية تقي أجسادنا أو تحفظ دفء أطفالنا".
وتضيف: "لم يخطر ببالنا يوما أننا سنعيش هنا، في مبنى لا يحمل إلا ذكريات الجدران المهدمة. هذا المكان لا يصلح للعيش الآدمي، لكننا فررنا من الموت ولم نجد بديلا".
"مركز رشاد الشوا" الذي كان يوما منارة للثقافة، يحتضن أمسيات شعرية ومعارض فنية، تحول الآن إلى مأوى لمآسي العائلات الفلسطينية التي تبحث عن بصيص أمل وسط الموت، وشاهد على جرائم إسرائيل التي لم تستثنِ الحجر ولا البشر، مستهدفة المعالم الثقافية والدينية في غزة.
وتواصل قوات الاحتلال عدوانها برا وبحرا وجوا على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ما أسفر عن استشهاد وإصابة ما يزيد على 151 مواطن، معظمهم أطفال ونساء، وأكثر من 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل للبنى التحتية ومنازل وممتلكات المواطنين.
ــ