كلمات تعبير عن غزة التي علمتنا أن نكون

غزّة.. التي علمتنا أن نكون
حجم الخط

غزّة - وكالة خبر

تعبير عن غزة.. حرصاً من وكالة خبر الفلسطينية للصحافة، يضع فريقها بين أيدي المتابعين كلمات تعبير عن غزة، من أجل وضع القارئ في كلمات تعبيرية تصف الحال في قطاع غزة الذي يتعرض للعدوان منذ 14 شهراً، وأدى لاستشهاد نحو 45 ألف مواطن.

تعبير عن قطاع غزة.. آخر أخبار غزة

نجمُ غزة الساطع مضى في السماء الباردة يُنير دروب الكثير من الذين أفقدتهم أوطانهم اصواتهم وسلبتهم حرياتهم، غزة التي علمتنا معنى الصمود وجسدت صورة المحارب في معركة الكرامة التي خاضها شعبٌ بأكمله رافعاً شعار لا أنسى ولن أخون، لقد تقاطعت في نفوسنا مشاعرُ الفخرِ مع الخوف، والفرح مع هزيج الدموع، ففي مسيرة العودة الكبرى استخلصنا رسالةُ عِزّة لخصتها جباه الشهداءِ والجرحى.

لقد كان يوماً عظيماً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أثبتت غزّة للعالم بأجمعه بأنها لا تزال تفتقدُ لأشجار الزيتونِ والبرتقال، فما زالت أفرانهم الطينية المُعتقة بالذكريات حاضرة في ذهونهم، وما زالت المجدل وحيفا ويافا وعكا والقدسُ وكل المدن المحتلة عالقة في قلوبهم، فلم تستطع أيٌ من الظروف الصعبة طوال هذه السنون الطويلة أن تنسيهم حقهم في العودة ولم يستطع الاحتلال طرد تلك المشاهد من أذهانهم الخصبة بحبِ الوطن والعودة، فقد ثارت غزة وثارت ذكراها في مشهدٍ لا يمكن لأحد أن ينساه، لقد لَخّصَ لنا هذا اليوم في طياته صورة القضية الفلسطينية في رواية يرويها شعبٌ لا ينسى التاريخ والجغرافيا لعالمٍ راهن على الزمن والأكاذيب لمحق الحقائق ودفنها في صحراء الزُورِ.

فقدنا في مسيرة العودة ثُلة من الشهداء الذين عاهدوا الله على دحرِ المحتل، فقد قاوموا ورابطوا واستشهدوا في سبيل الله والوطن .لم أتوقع يوماً أن أنهار أمام تلك المشاهد الصعبة، فأمامي وعلى الهواء مباشرةً شاهدتُ الرصاصات الغادرة تنطلقُ من فوهاتٍ جازمة على القتلِ وهي تخترقُ أجسادَ شبابنا، منهم من قُنِصْ وبُترت ساقه أو يده، ومنهم من خنقتهُ قنابلُ الغازِ التي لا تحصى ومنهم من سالت دمائه على التراب حتى استشهد، كانوا يتساقطون كما العصافير الصغيرة، يا إلهي كم مرة قلوبنا توقفت عند تلك المناظر، كنتُ أسألُ نفسي يا تُرى ماذا أمهاتهم بفاعلة، كيف سيتماسك آبائهم سيلَ الدموعِ أمام المُعَزّين خصوصاً إذا كان ابنه هو الوحيد بين إخوته.

لقد أدارَ العالم بأجمعه ظهره لغزة وأهلها، لقد اتفقوا وتكاثروا عليها، ولا يعلموا أن غزَّة أبسط من هذا كله، فمن أجلِ أطفالِ غزة أغيثوها، من أجلِ نساءِ غزة ورجالِ غزة لا تُذِلوها.

كنت أتابعُ مجريات هذا اليوم وفي نفسي تراودني الألاف من الشكوك القاتلة، هل عندما أنشر خبر استشهاد هذا الشاب على وسائل الإعلام، ترى هل تراه أمه أو أخته أو أحد أقربائه وكيف سيتلقون هذه الصدمة، وهل سأسامحُ نفسي على لوعةِ قلبٍ طاهر تسببتُ بها من خلال نشرِ صور وأسماء هؤلاء الشهداء لأهاليهم، أم هل أثور على محتلٍ غاصب كانَ السبب في هذا كله ؟، يا رب إلى متى ستظلُ أمهاتنا تفقدُ فلذات أكبادها !، يا رب لقد قتلتني نظراتُ الحسرة واللوعة في قلوبِ أمهاتِ الشهداء، إلى متى ستستمرُ تلك المشاهد تراودُ غزة، لم يتبقى بيتٌ واحد إلا وفيه شهيدٌ أو جريح، إلى متى سيبقى الموتُ يطرقُ أبوابَ ونوافذ الفقراء والضعفاء، ألا يكفينا الحصارُ والتآمرات والانقسام؟ لماذا يُحْرم هذا الشعب من كلِ مظاهر الأمل والسعادة !، أيدفعُ صِغارنا ضريبة الاحتلال بالموتِ على يد مستوطن صهيوني عشريني بطلقة واحدة ؟، لماذا تذهبون للموتِ المجاني بصدورٍ عارية ؟، ألا تعلموا بأننا نحتاجكم بعد! لا تذهبوا لحدودِ الموتِ أرجوكم، لقد كانت مسيرةً سلمية ولم تكن غير ذلك، مدينتنا الصغيرة تفتقدكم الأن كما تفتقدكم أمهاتكم.

هذه المدينةُ الحزينة التي ما زالت منبعٌ يجسدُ مذاقَ المرارة للمارين فيها، فعندما تقرر السير في أزِقة وشوارع هذه المدينة لا يمكنك إلا وأن ترى في قسماتِ وجوه الشباب المُثقلة كل معالم البؤس وترى في وجوه الأطفال المشردة التي تنظر إلى المحال التجارية كل الألم لأنها تشتهي قطعةُ حلوى أو حتى ملابس جديدة بدلاً من ثيابهم الرثة التي تمزقت من كثرة الجلوس على الأرصفة.

ترددتُ في كثيرٍ من الأحيان قبل أن أسأل أحدهم ما الذي تفعلهُ هنا يا صغيري في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟، كان يجيبني بعضهم بنظرةِ براءة وابتسامة صغيرة شبه ظاهرة تخفي خلفها مشاهد العذاب التي مرّوا بها، "حتى أعين أسرتي فأبي أستشهد وأمي مريضة وتحتاجُ للدواء، وأنا هنا لأوفر ثمن دوائها"، كان الصمتُ هنا أبلغ من كل التعبيرات التي من الممكن أن أجيبها به.

لقد رسمت غزة لوحتها الخاصة بها، فما زالت ورودها تزهر رغم حقول الألغامِ من حولها، نعم .. لقد علمتني غزة أن القهر والذل وكافة أنواع القمع ما هو إلا تحدي صغير لصمود وترابط أهلها، فما زالت شبابها تؤمن بغدٍ أفضل وما زالت نسائها تنجبُ الكثيرَ من الأبطال، لم ولن ينسى هذا الشعبُ حقه في العودة يوماً ما، آهٌ يا غزة ما أشدُ عزيمتكِ وما أجملَ تفاصيلك وما أجَلَّ كبريائكِ، كنتِ وما زلتِ مضربَ الأمثالِ والعِبر، حتماً سنعودُ يوماً ما وسنقهرُ هذا المحتل وسنكبرُ باسم الله في كل مدننا المغتصبة.