هل ستبني تركيا أذرعاً لها على الطريقة الإيرانية؟

تنزيل (1).jpg
حجم الخط

الكاتب: عبد المجيد سويلم


 


أظنّ أنّ الرئيس التركي قد «اكتشف» بسرعة قياسية هول المأزق الذي وقع فيه، وأوقع بلاده معه.
ربّما أنّ هذا الاكتشاف السريع بالذات هو الذي جعل تركيا تبدأ بالتفكير، وفوراً بالمسارعة إلى بناء حلفٍ جديد، له سمات الحلف الحقيقي، ولكن ليس للردع الحقيقي، وإنّما للتحصين الضروري في مواجهة تطوّرات الإقليم، والتي تجعل من حالة هذا الإقليم في وتيرة التغيّرات والانقلابات المتتالية التي يمرّ بها حالة ديناميكية فريدة من بين أقاليم العالم بأسره.
لقد فهم الرئيس رجب طيّب أردوغان على ما تبدو عليه الأمور حتى الآن أنّ «الحلفاء الطارئين»، وخصوصاً الولايات المتحدة ودولة الاحتلال ليستا بوارد التخلّي عن أكراد سورية، وأنّ تحالفهم مع «قسد» أقوى وأسبق وأثبت وأعمق من كلّ أوراق الاعتماد التي قدّمها أردوغان للإدارة الأميركية في أيّامها الأخيرة، وكذلك في إطار تحضير دور تركيا لاستقبال الإدارة الجديدة.
لم يفهم أردوغان على ما أظنّ أنّ دولة بأهمّية بلده لا يجوز لها أن تلعب كلّ أوراقها دفعة واحدة، وأنّها لن تعود بأهمية خاصة إذا فقدت هذه الأوراق بهذه الطريقة، والتي تنمّ عن اندفاعة انفعالية، وشحنة هياج سياسي أقلّ ما يُقال فيه إنّه متسرّع وغير مدروس، هذا إذا أحسنّا النوايا.
والحقيقة هي أنّ الدور التركي بعد «إسقاط» النظام في سورية على هيئة «ثورة مستوردة» أكثر منها أيّ شيءٍ آخر لم يعد بيدها سوى أن تراهن على دورٍ تدفع فيه أميركا أثماناً لبضاعة لا تحتاجها أكثر مما احتاجتها في مرحلة «إسقاط» النظام، بل إن الحقيقة المرّة هي أنّ «المكافأة» الأميركية والإسرائيلية، وحتى الإقليمية العربية ليست بحجم الإنجاز الذي تمّ، ولم يعد لأحدٍ حاجة ماسة لأكثر من ذلك، ولن يدفع أحدٌ لتركيا أكثر من جائزة ترضية على أردوغان أن يرتضي بها.
والحقيقة، أيضاً، أنّ أردوغان أدرك الآن أنّ دولة الاحتلال قد سكبت المارد في وجهه بسقوفٍ ستكبّل حركة (الاستفادة) التي راهن عليها.
وأوّلها، اعتبار الميليشيات التي تسلّمت السلطة في دمشق مجرّد «عصابات إرهابية»ما تلبث أن ترتدّ على الجميع في كلّ الإقليم، حتى وإن كان في تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي مبالغة مقصودة.
وثانيها، أنّ دولة الاحتلال قد وضعت هذه الميليشيات في موقفٍ حرجٍ للغاية من خلال ما تطرحه حول جانب احتلال جبل الشيخ الإستراتيجي، وإصرارها المعلن على البقاء فيه، بل وحتى حول حرّية العمل المطلقة في سورية ضد أيّ شيءٍ أو قوّة تراها ضرورة لها، و»التحكُّم» الفعلي بشريطٍ كبير على جبهة الجولان.
والثالثة، هي أنّ دولة الاحتلال ترى في أكراد سورية حلفاء «يستحقُّون» الدعم الكامل منها.
أميركا يروق لها كلّ هذا، بل وستستقوي به في «النقاش» مع تركيا، وستعتبر هذه المواقف الإسرائيلية الثلاثة آلية لتخفيض سقف التوقّعات التركية.
والذراع التي تمثّلها «هيئة تحرير الشام» في المعادلة السورية ليس بمقدورها أن تحافظ على وحدة البلاد، وليس بمقدورها بناء نظام سياسي منفتح ومتنوّر وتعدّدي، وليس بإمكانها أن تنهج نهج «حزب العدالة والتنمية» في تركيا، وأن ترتضي «بحكم الشعب»، وبوجود معارضات برلمانية وازنة ومؤثّرة، والأهمّ من ذلك كلّه ليس وارداً أن يتمّ الانتقال إلى وضعٍ يكون فيه تداول السلطة وارداً، لأنّ الجماعات المختلفة ستفجّر الوضع كلّه على أن تقبل مفهوماً كهذا.
لكنّ تركيا على ما أظنّ ليس أمامها الآن سوى أن تعيد لملمة ما يمكن لملمته من أوراق، إيذاناً بالتحضير المطلوب للمرحلة القادمة من الصراع في كلّ الإقليم.. وفي، وعلى سورية على وجه الخصوص والتحديد.
إضافة لذراع «هيئة تحرير الشام» فإنّ تركيا تطمح لانخراط دولة قطر في حلفها الجديد، حتى وإن كانت قطر ملتزمة بالبقاء دبلوماسياً وسياسياً في دائرة شبكة السيطرة الأميركية على المنطقة.
تستطيع قطر تسخير المزيد من الموارد المالية لصالح الدولة التركية، وتستطيع مدّ الأخيرة بقدرٍ كبيرٍ من احتياجاتها للطاقة، لكنها ليست مستعدة للوقوف المثابر في حلف تركيا الجديد، إذا ما أصبح هذا الحلف في حالةٍ من الصدام والخصومة، إذا لم نقل العداء، مع الخطط والمشاريع الأميركية، بما في ذلك الموقف المباشر من دور «الخط الهندي» الاقتصادي حسب الرؤى الأميركية والإسرائيلية.
يستطيع «حكم الإخوان المسلمين» في أطراف ووسط، وغرب ليبيا أن يكونوا، وأن يلعبوا كلّ الأدوار الممكنة في إطار هذا التحالف الجديد، خصوصاً أنّهم لم يعودوا الحصان الرابح لأحدٍ هناك، وهم بحاجةٍ ماسّة «للاندراج» في تحالف كهذا، ومن صميم مصلحتهم أن يكونوا في قلب نواته الصلبة، إلّا أنّ دورهم الاقتصادي في تأمين مصادر الطاقة للدولة التركية هو أهمّ من أيّ دورٍ آخر، ومراهنتهم على دورٍ أكبر من هذا الدور المحدّد هي مسألة مشكوك فيها من حيث الإمكانية، ومن حيث الجدوى، أيضاً.
وهناك إمكانية أخرى لانخراط أذربيجان في مثل هذا الحلف مهما كانت شروط هذا الانخراط مختلفةً عن انخراط قطر و»هيئة تحرير الشام»، ومهما أثار مثله من مشكلات وأزمات، وما ظهرت عليه من تحفُّظات.
تراهن تركيا بطبيعة الحال على أن يكون مثل هذا الحلف الجديد بمثابة ورقة قوية تستقوي بها في «خصومتها» القادمة والمتوقّعة مع الولايات المتحدة ومع دولة الاحتلال، وتراهن، أيضاً، على ألا يكون الموقف الرسمي العربي على نفس المسافة الأميركية والإسرائيلية من «الطموحات» التركية، بل ولا بدّ أن تراهن على الموقفين الروسي والإيراني بالرغم من الافتراق الكبير الذي أدّت إليه «التصرُّفات» التركية في التعاطي الساذج مع الأزمة السورية.
أوجه الشبه بين الملامح العامّة لطبيعة الحلف التركي الجديد تتشابه مع الملامح الأساسية في تجربة «المحور الإيراني» من حيث «دولة المركز» والبعد المذهبي مع فارق كبير، وهو أنّ دور دولة المركز في التجربة الإيرانية هو دور الداعم والمموّل، في حين أن تركيا تطلب في الواقع أن يعينها أعضاء الحلف الجديد بدلاً من أن تعينهم هي.
كما أنّ العامل الأيديولوجي والسياسي أقلّ فعالية في الحالة التركية منه في الحالة الإيرانية لأنّه لا يوجد حالة صراع ومجابهة أو عداء بين «محور تركيا» وكلّ من دولة الاحتلال، وأميركا. كما أنّ السنّة العرب «المعتدلين» بقدر خوفهم من «المحور الإيراني» وتبعاته على أنظمة الحكم السنّية «المعتدلة» فإنّهم لن يقبلوا بالنموذج الذي تروّج له تركيا عن مستقبل النظام في سورية لما يشكّله من خطرٍ جديد على أنظمة الحكم فيها.
المهمّ أنّ مرحلة إعداد المحاور تعدّ نفسها للمجابهات القادمة في الإقليم من قبل كلّ أطراف الصراع، باستثناء العرب الذين يعدّون أنفسهم بمثابرةٍ شديدة لأن لا يكون لهم أيّ دور قادم في تلك المجابهات القادمة.