بقلم: عاموس هارئيل
أطلق الأمين العام لـ "حزب الله"، حسن نصر الله، خطابه التهديدي الدوري، الأسبوع الماضي، في مناسبة احتفالية: الذكرى السنوية 24 لاغتيال إسرائيل سلفه، عباس الموسوي.
ونصرالله الذي نجا في حرب لبنان الثانية من محاولة إسرائيلية لاغتياله تحدّث هذه المرة بثقة نسبية. فدخول الروس الحرب الأهلية في سورية أنقذت نظام بشار الأسد الاستبدادي.
والمحور الشيعي - العلوي، والذي يشكل رجال "حزب الله" المنتشرين في سورية الذين لا يقلون عن خمسة آلاف رأس حربته، يحرز إنجازات برية جوهرية في تطويق حلب في الشمال والتقدم لدرعا في الجنوب.
وإعلان نصر الله هذه المرة - تهديده بمهاجمة خزان الأمونيا في خليج حيفا واستخدامه كـ «قنبلة نووية» توازن تناسب القوى بين "حزب الله" وإسرائيل أثناء الحرب - مُعدّ للحفاظ على ميزان الردع في الجبهة الشمالية. والرد المحدود لحزب الله في مطلع كانون الثاني على اغتيال سمير القنطار شهد على حاجة الحزب لمواصلة التركيز على القتال في سورية.
في خطاب يوم الثلاثاء حاول الإيحاء بالقوة تجاه الداخل والخارج. في الجبهة الداخلية، ذكر نصر الله المجتمع اللبناني بمن يدافع عنه ضد إسرائيل. في الوقت نفسه أشار لإسرائيل بأن الأفضل لها عدم تعميق تدخله في سورية على خلفية نجاحات الأسد الأخيرة.
وعملياً فإن سلوكيات "حزب الله" على الحدود حذرة جداً. فعلاً، هناك هجمات شنها "حزب الله" والحرس الثوري الإيراني، في هضبة الجولان ومزارع شبعا عبر خلايا فلسطينية ودرزية. لكن هذه العمليات تمت رداً على انتهاكات اتهم "حزب الله" إسرائيل بها: اغتيال نشطائه، تفجير عبوة ناسفة في لبنان، الغارة الجوية على الجانب اللبناني من الحدود مع سورية. وتجنب "حزب الله" التعليق على السلسلة الطويلة من القصف الجوي المنسوب لإسرائيل ضد قوافل ومخازن سلاح لـ "حزب الله".
وإلى جانب التركيز على سورية، يبدو أن هناك سبباً آخر لضبط "حزب الله" نفسه: ميزان الردع المتبادل، الذي يترسّخ على جانبي الحدود.
فعلى كفتي الميزان يوجد من ناحية مخزون الصواريخ الهائل لـ "حزب الله" بعد حرب لبنان الثانية، وفي الناحية الأخرى «نظرية الضاحية» لرئيس الأركان غادي آيزنكوت، حين حذّر كقائد للجبهة الشمالية عام 2008 من الدمار الهائل الذي سيقع على الحي الشيعي في بيروت وعلى القرى الشيعية في جنوب لبنان إن نشبت حرب أخرى.
وحسب تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية للعام المقبل، فإن خطر حرب يبادر لها "حزب الله" يبقى متدنياً. لكن بشكل استثنائي، حدثت الاستخبارات تقديرها بشأن احتمالات سوء التقدير الذي قد يقود إلى حرب في الشمال ليغدو «احتمالاً متوسطاً».
ورغم أن السيناريو الأكثر معقولية للتصعيد في الفترة القريبة يتعلق بـ "حزب الله"، على خلفية الأنفاق، فإن العدو الأساسي الذي يستعد الجيش نفسه لمحاربته هو حزب الله. فلم يبق من الجيش السوري، الذي كان في الماضي على رأس سلم المخاطر للجيش الإسرائيلي، لم يبق سوى قوة حراسة معزّزة.
وهو يجر إلى الأمام حالياً بفعل حثّ رعاته الروس والإيرانيين، لكن مشكوك إن كان بوسعه أن يشكل تحدياً لإسرائيل. تغيير أجواء والورقة الأساسية لإسرائيل ضد نصر الله، سواء في الردع أو حال وقوع حرب، تكمن بقدرتها النارية الواسعة، التي تحسّنت جوهرياً في السنوات الأخيرة بفضل تطوير سلاحي الجو والاستخبارات.
وهذه منظومة هائلة، كثيرة الاستثمار مالياً وساعات عمل، توفر حالياً قدرات هجوم عالية لا تقارن بما أظهره الجيش في لبنان في العام 2006 ولا حتى في حرب 2014 ضد "حماس" في غزة.
وقبل حوالي شهرين أطاح رئيس الأركان بقائد مدفعية الجبهة الشمالية، العقيد إيلان ليفي من منصبه. إذ أبقى ليفي في سيارته وثائق سرية تتعلق بخطة النيران القيادية. وقد سرقت السيارة والوثائق، ورغم أنه تمّ اكتشافها وإعادتها، إلا أن مخالفة سرية المعلومات كانت خطيرة تكفي للإطاحة.
بدلاً من ليفي عين قائد الجبهة الشمالية الجنرال، أفيفي كوخافي، بشكل استثنائي ضابطاً من سلاح الجو، العقيد أفيعاد. ويمثل هذا التعيين، الأول من نوعه، الفهم بشن الحاجة للاستخدام الناري المشترك من الجو والأرض بتنسيق مع القيادة اللوائية. وبوسع سلاح الجو حالياً مهاجمة عدد أكبر من الأهداف يومياً وأن يستوعب وينفذ معطيات استخبارية دقيقة على نطاق أوسع وإرسال طائراته في غارات أكثر يومياً، عبر مرونة في الانتقال بين المناطق والمهام. وقسم كبير من هذه الاستعدادات مستثمر في الاستعداد للقتال، بالاشتراك مع القوات البرية، في مناطق مدينية مأهولة.
والقصف المكثف لحي الشجاعية في غزة في عملية «الجرف الصامد» يظهر كإشارة تُنذر بصورة المعركة المقبلة. وثمة خطوة مركزية أخرى ستتمّ في الدفاع. قبل خمس سنوات مع استيعاب أولى بطاريات القبة الحديدية، غيّرت منظومة الدفاع الجوي في سلاح الجو اسمها وتشكيلتها وصارت في ثلاث فرق إقليمية منقسمة إلى منظومتين فرعيتين، إحداهما تتعلق باعتراض الصواريخ والثانية باعتراض الطائرات. ويتوقع حدوث تغيير آخر في الصيف عند إدخال منظومة الاعتراض الجديدة للمدى المتوسط، عصا الساحر. وقد توصل سلاح الجو لاستنتاج بأن المنظومات الجديدة، إلى جانب تحسينات مفرطة في قدرات وسائل القتال الأقدم، يسمح حالياً بمواجهة مشتركة لنوعَي الأخطار عبر منظومة واحدة. ويفترض بالتغيير البنيوي أن يسمح بتقليص المحطات على الطريق، من قائد الدفاع الجوي إلى الوحدات الميدانية، والمعالجة الفعالة والسريعة مع نوعَي المخاطر. حرج المناورة منذ سنوات تفضل منظومة اتخاذ القرار في إسرائيل استخدام القوة الجوية على استخدام البرية.
والأسباب معروفة: سلاح الجو يدير المعركة عن بُعد ونشاطه يعتبر تكنولوجياً ودقيقاً وفي الأساس يوفر خسائر على الجانب الإسرائيلي. فالاحتمال المتناقص في المجتمع الإسرائيلي لخسارة الجنود في القتال، منذ التسعينيات، أثر على بناء القوة العسكرية والأهم على استخدامها. ومنحت نوعية التخطيط والتنفيذ في سلاح الجو له أفضلية مفهومة في معارك تقاسم الموارد مع الأذرع الأخرى في هيئة الأركان.
كما ساهمت حقيقة أن أربعة رؤساء شعبة التخطيط الأخيرين في الجيش كانوا ضباطاً بارزين في سلاح الجو. فالجيش شخص نقطة قوته في الجو والاستخبارات وخصص لها الموارد بتشجيع المستوى السياسي. في هذه الأثناء نشأت فجوة مقلقة جراء المراوحة إن لم يكن التراجع في قدرات الجيش البرية. وتجسّدت النتائج جيداً في 34 يوماً من القتال في لبنان وكذا 51 أيام المعركة الأخيرة في غزة.
وكان يصعب عدم ملاحظة الفارق بين التصريحات الحازمة للقادة بشأن الحاجة للحروب القصيرة والحسم القاطع، وبين النتائج البادية ميدانياً. وأشار قائد الذراع البرية، الجنرال غاي تسور، لهذه الفجوات بصدق وانفتاح مفاجئ، في مقالة مطوّلة في العدد الأخير لمجلة «بين الأقطاب» التي ينشرها مركز دادو للتفكير العسكري. وعرض تسور هناك أساس السيرورة التي قادها في العامين الأخيرين باسم «البر في الأفق»، لتغيير الجيش البري. وهو يصف كيف توقع تراجع مكانة المناورة البرية في الجيش الإسرائيلي، أولاً كقائد للفرقة 162 في حرب لبنان الثانية وبعدها كرئيس لواء التخطيط في هيئة الأركان. وكتب «ما حفر في ذهني هو صعوبة اتخاذ القرار لدى القيادة ببدء خطوة برية. وبسرعة تبين أن في كل حالة تأجيل للهجوم البري حتى اللحظة الأخيرة كان القرار معقولاً وأحياناً فائق الصواب. إذا كان بالوسع تحقيق الهدف الاستراتيجي للعمليات، الردع، عبر النيران فقط ومن دون تعريض قواتنا للخطر، كان هذا يبدو خياراً مفضلاً». ويضيف: «فهمت أن شعور اليقين الذي تفوه الاستخبارات والنيران به لصناع القرار، مقارنة بالعملية البرية، يسري ليس فقط على استخدام القوة وإنما أيضاً على بنائها.
وإسهام كل ذخيرة دقيقة يتزود بها سلاح الجو ملموس وواضح. والتناسب بين الإنجاز وكل شيكل يستثمر يبدو ليس فقط بالغ الوضوح، وإنما مجدياً. والبر في المقابل صار كتلة هائلة لقوات تعتبر مهمة تكييفها مع الحرب الجديدة عملاً معقداً وباهظ الكلفة». وتطوير الجيش البري يستدعي تحسين القتال المديني، ونجاعة المواجهة مع أخطار كالعبوات والصواريخ المضادة للدروع وتحسين الإمداد اللوجستي، «وكل ذلك بتكاليف مضاعفة من دون أن تكون واضحة الفائدة العملانية والاستراتيجية التي يحققها تفعيل هذه القوات». وتسور يشعر بالحاجة الماسة للتغيير. والحرب الأخيرة في غزة زادت في نظره الشعور بالأزمة. وهو يصف بالتفصيل حيرة قادة الذراع البرية، ويكتب أن البديل المفضل هو «الدمج بين الجو والبر، في ظروف منظومة قيادة وسيطرة موحّدة واتخاذ قرارات سريعة ما قد يخلق فعالية هائلة حتى في مواجهة عدو يعتبر التملّص ديدنه». من المقال وكلام رئيس الأركان يظهر أن الذراع البرية تُعدّ نفسها أساساً لمحاربة "حزب الله" عبر التكيّف لمواجهة أعداء أضعف، كـ "حماس" وتنظيمات متماثلة مع "داعش".
عن "هآرتس"