إحنا ملح الأرض و تراب العجين .. فرحانين فرحانين

image_processing20230404-2769406-yxev3c.jpg
حجم الخط

بقلم حمدي فرّاج

تحاول قصيدة الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم "فرحانين فرحانين" بالعامية المصرية و التي أداها غناء الشيخ إمام ، تحاول الإجابة على حالة السجال الداخلي الفلسطيني ، بين من يرى ما حصل في غزة خلال الخمسة عشر شهرا الأخيرة نصرا ام هزيمة "فرحانين فرحانين / كل ثورة و إحنا دايما فرحانين" ، بما معناه ان من ينظر الى انها نهاية الصراع و الكفاح ، فهو بلا شك سيراها هزيمة ، و لكن من يراها "ثورة" او حتى جزء من ثورة في معمعانات الصراع مع الاحتلال ، فسيراها انتصارا قويا ممكن المراكمة عليه ، فقد أمدّ بحر الثورة بموجة جديدة هادرة جبارة ، قوامها خمسين ألف شهيد دفعة واحدة .

يفصّل الشاعر من هم هؤلاء الفرحانين : "اللي ساكنين الخنادق.. فرحانين / والماسكين على المبادئ.. فرحانين / واللي شايلين شوق لفكرة.. فرحانين / واللي حاملين هَمّ بكرة.. فرحانين / اللي كلمتهم أمانة.. فرحانين/ واللي معدتهم جعانة فرحانين" ، و هؤلاء هم جوهر الشعب و طلائعه عبر التاريخ ، هؤلاء أصحاب المباديء والعقائديين الذين يمزجزن القول بالفعل ، و الذين يشيحون بوجوههم عن طاولات التفاوض الخادعة بما يضعون عليها من فتات تسرّع في سيلان لعابهم عقود كثيرة من أعمارهم . و يحضر هنا يحيى السنوار الذي قيل بعد تشريحه انه لم يأكل ثلاثة أيام ..

لكن هناك من يبدو في مرحلة بعينها ، أنهم على درجة كبيرة من الأهمية ، وهم الشهداء و الجرحى ، و بالتأكيد ذووهم و أحباؤهم و أعزاؤهم ، و هم الذين يحولهم البعض الى مادة التحزين و التوجيع  و التنديب و التلطيم و البكاء التماسيحي لاثبات انهم و دماءهم و تضحياتهم قد علت و غلت وضاعت هدرا ، او أنها جيّرت و استبدلت بكيس طحين او حتى كيسين ، فيقول نجم : " اللي ماتوا فى المعارك .. فرحانين / واللي حضّر واللي شارك.. فرحانين" ... و بالتأكيد الذين استشهدوا هم احياء عند ربهم يرزقون وفق الفهم الديني ، و بالتأكيد انهم فرحون عندما يجدوا اباءهم و أمهاتهم يرقصون و يغنون و يزغردون في الساحات المردمة "فرحانين فرحانين".

لن يتردد اهل هؤلاء الشهداء "الأكرم منا جميعا" من حسم موقفه الى جانب ابنه فلذة كبده ، حين يزوره في قبره ، او حتى مقبرته الجماعية ، فيقول له : دمك لم يضع سدى و لم يذهب هدرا يا بني ، لقد أسهم في تحرير أسرى كدنا ننساهم في الغياهب عشرات السنين ، تحنطوا أحياء ، أما الأموات فنقلوا الى الثلاجات – أم ناصر حميد من الفرحانين - .

أما الذي لم "يحضّر و لم يشارك" ، فهو بالتأكيد زعلان ، و بالتأكيد غضبان ، و بالتأكيد لن يعترف بهذا النصر ، حتى و هو يسمع الطرف الآخر يقر بهزيمته – بن غفير سماها استسلام ، و عند مذبحها قدّم استقالته ، تبعه رئيس هيئة الأركان - هؤلاء  لن تسمعهم على الاطلاق يغنون مع الشيخ امام  " فرحانين فرحانين / كل ثورة وإحنا دايما فرحانين / قولوا قولوا .. فرحانين /  إحنا ملح الأرض وتراب العجين / فرحانين فرحانين" .