اعطوا غزة ميناء قبل أن «تنفجر» في وجهنا

ميناء غزة
حجم الخط

بقلم: ألون بن دافيد

أمام اسرائيل اليوم فرصة لوضع العلاقة مع غزة على طريق جديد. وبشكل مفاجئ فان فرصة حدوث ذلك ليست منعدمة تماما. الاقتراح الذي وضع على الطاولة – ميناء مقابل وقف اطلاق نار بعيد المدى – ونوقش في المجلس الوزاري المصغر لم يتم رفضه على عكس مصير أفكار اخرى لمبادرة اسرائيلية. بعد قليل سيكون مر عشر سنوات على حرب لبنان الثانية. عقد من الهدوء المطلق تقريبا في الحدود الشمالية.

هل تذكرون كيف أنهينا الحرب؟ مع شعور جماعي بالفشل وتفويت الفرص. 33 يوما كان فيها الشمال تحت النار التي لا تتوقف، وفي نهايتها نجحت اربعة الوية من الجيش الاسرائيلي في الدخول بجرأة وبثمن باهظ الى عمق 4 كم داخل الاراضي اللبنانية. من كان يصدق في حينه، في آب 2006، أن تلك الحرب غير الناجحة ستعطينا كل هذا الوقت من الهدوء.

في هذه المرحلة التي يعتبر فيها الاعداء تنظيمات وليسوا دولا، ليس لنا معيار للنجاح، باستثناء فترة الهدوء التي تعقبها. الحرب ضد منظمات مثل «حزب الله» أو «حماس» لا يمكنها الانتهاء بحسم كامل أو اتفاق سلام. لذلك، فان الحروب التي تديرها اسرائيل تهدف الى ابعاد جولة الحرب القادمة بقدر الامكان. على بعد عقد من حرب لبنان الثانية، رغم فشلها، تبدو احدى المعارك الفعالة التي قامت بها اسرائيل في العقود الاخيرة.

ويجب الاعتراف ايضا أن الطريقة التي لفظنا فيها زعماء الحرب – ايهود اولمرت، عمير بيرتس ودان حلوتس – كانت مجحفة بحقهم. فهم لم يكونوا بعيدين عن الاخطاء، لكن الهدوء والازدهار في الشمال في العقد الاخير تحقق بفضلهم. صحيح أن «حزب الله» زاد قوته بشكل كبير في العقد الاخير، لكنه يرتدع عن المبادرة الى افعال تجره الى جولة اخرى. لا أحد يوقف التسلح في الشرق الاوسط، بما في ذلك من وقع معنا على اتفاق سلام، وبما في ذلك نحن. اثناء وعند نهاية حرب لبنان كنا غارقين في تحليل فشلنا، ولم ننظر الى ما فعلته هذه الحرب للطرف الثاني. الامر المشابه حدث في «الجرف الصامد»: حرب طويلة نسبيا، مليئة بالاخطاء على كل المستويات – الاستراتيجية والتكتيكية – كان يجب أن تدار بشكل مختلف. لكن بعد سنة ونصف السنة فانها تبدو ناجحة.

في السلوك السياسي الصحيح يمكن ترجمة نتائج «الجرف الصامد» اليوم الى عقد من الهدوء أمام غزة ايضا. الجسم الذي يجب أن يتحدث عن الفرص والاتجاهات هو مجلس الامن القومي، لكن بنيامين نتنياهو حيد هذا الجسم، هذا الاسبوع. إن تعيين ابريال بار يوسف، شخص مملوء بالقدرات وله تجربة غنية - يخلد مرة اخرى الاحاديث عن جسم لا يمكنه تشكيل وزن نقيض للجيش الاسرائيلي والاجهزة الاستخبارية.

بقينا مجددا مع الجيش الاسرائيلي كجسم وحيد فيما يتعلق بالأمن والسياسة. حذّر الجيش الاسرائيلي في العقد الاخير جدا من الصعود على الالغام السياسية مثل تقديم التوصية فيما يتعلق بخطوات سياسية. فالجيش فهم أنه في النقاش الجماهيري لا توجد مشكلة في وسم من دافع عن الدولة على أنه مهزوم ويساري اذا قام بإسماع اقوال لا تلائم النقاش المتطرف الجديد. صحيفة نتنياهو ايضا سارعت الى الوقوف ضد رئيس الاركان، الاسبوع الماضي، عندما تجرأ آيزنكوت وحاول الحديث عن روحية أوامر اطلاق النار في الجيش. بعد بضعة ايام من تعرضه للنار، منحه رئيس الحكومة البراءة المشروطة وبلغة ضعيفة. لكن آيزنكوت لم يظهر الاستعداد للانحناء أمام مرؤوسيه. فهو والجيش الذي تحت مسؤوليته لن يتدخلا في قرارات سياسية لأنه يعتقد أن هذه ليست وظيفتهما. لكنه سيشير بالتأكيد الى الفرص التي يمكن أن تحسن وضع اسرائيل. على شفا الانفجار حلت هذه الفرصة الآن في غزة.

القطاع مخنوق – نسبة البطالة أكثر من 40 في المئة، المياه ملوثة حيث لن تكون للغزيين في 2020 مياه للشرب، وعاء الضغط لـ 1.8 مليون انسان ممنوعين من الحركة، حيث تستطيع «حماس» السيطرة عليهم ومنع الانفجار. وسائل الاعلام لا تتحدث عن ذلك تقريباً لأن هذا أصبح روتيناً. لكن في كل يوم تقريبا يقوم شبان من غزة باجتياز الحدود. إنهم لا يأتون لتنفيذ عملية بل يريدون الدخول الى السجن والحصول على ثلاث وجبات في اليوم، الامر الذي لا يوجد في البيت. غزة على شفا الانفجار، واذا انفجرت، سيكون هذا ضدنا. «حماس» تفهم هذا الوضع، إنها عدو لدود لكنه عقلاني. في الـ 18 شهرا الاخيرة منذ «الجرف الصامد» برهنت «حماس» على أنها منظمة براغماتية تعرف كيفية تحديد مصالحها وفرضها على نشطائها وعلى التنظيمات الاخرى.

منذ «الجرف الصامد» تعمل «حماس» من اجل الحفاظ على الهدوء حول غزة بشكل لم يسبق له مثيل منذ 15 سنة. الاقتراح الحالي – ميناء مقابل وقف اطلاق النار – يوجد فيه الكثير من الافضليات لإسرائيل: سيعطي غزة الاعمال والمحرك الاقتصادي وينشئ ممتلكات لا ترغب «حماس» في فقدانها. وسيحرر اسرائيل من مسؤولية إطعام الغزيين، خصوصا بعد مرور 11 سنة على الانسحاب من كل سنتيمتر هناك. لكن هناك المزيد في هذا الاقتراح: محادثات ومفاوضات حيث توجد ديناميكية خاصة لهذه الامور.

إن سنوات طويلة من الهدوء من شأنها ايجاد صعوبة في العودة الى الحرب. لن تبدأ «حماس» تحب اسرائيل ولن يتبنى الغزيون الصهيونية. لكن اذا كان لغزة ما تخسره واذا كان لها أمل، هناك فرصة لمنع المواجهة القادمة. حلم شمعون بيريس أن تتحول غزة الى سنغافورة الشرق الاوسط لن يتحقق في ايامنا كما يبدو. فهو يحتاج الى تصدير الكثير من الفلسطينيين واستيراد الكثير من السنغافوريين. ويمكن أننا سنحارب الغزيين في المستقبل، لكن اذا كانت ثمة فرصة لتأجيل هذه الحرب فلماذا نتسرع في التضحية الآن بالعشرات من أبنائنا؟.

الامر ليس سهلاً. الذهاب الى ترتيبات في غزة سيثير مصر ضدنا، التي تعتبر «حماس» عدواً. لكن لا يمكن أن تبقى مصر وسيطة بيننا وبين «حماس». لذلك على اسرائيل ايجاد قناة جديدة. تركيا هي الوحيدة التي تقدر على لعب هذا الدور. تركيا اردوغان تلعب لعبة مزدوجة بما في ذلك أمام «داعش». وهناك مسألة لا شك فيها: إنها تريد اسقاط الاسد والخط الشيعي بقيادة ايران. في الشرق الاوسط الجديد لا يوجد حلفاء طاهرون. الذهاب الى اتفاق مع غزة سيؤدي الى مصالحة الاتراك ايضا. وهناك افضليات في التعاون الاسرائيلي التركي حتى لو لم يحدث بينهما الحب الأبدي. صحيح أن الاتفاق مع غزة سيضر بالسلطة الفلسطينية، ولا توجد مصلحة لاسرائيل في ذلك.

لكن اتفاق كهذا سينشئ الفصل بين غزة والضفة الغربية – مجموعتان مختلفتان من السكان. ولا داعي لتقبل اسرائيل بالحلم الفلسطيني القائل إن غزة والضفة الغربية هما كيان واحد. لن تعود «فتح» للسيطرة على غزة، والفصل بين المنطقتين سيخدمنا. بالنسبة للقيادة الفلسطينية، من الافضل أن يبقى الصراع معنا على شكله الحالي: هجمات يومية لافراد لا ينتمون لأي تنظيم. وهي لا تريد أن يتحول الصراع الى انتفاضة واسعة. ولا تريد ايضا أن ينتهي. «الارهاب» يبقي الموضوع الفلسطيني في الوعي الاسرائيلي، وبقدر أقل في الوعي الدولي ايضا.

هناك من سيقول إن هذا الصراع مريح للقيادة الاسرائيلية ايضا. فهو يبقي الجمهور في حالة خوف أمني متواصل، ولا يسمح له بالتفكير في امور اخرى. قيادتنا تعزز الحوار الذي فيه كل قول أو أمل أو اقتراح لأفق متفائل أكثر، يتم اعتبار ذلك امرا مرفوضا. لماذا نطمح الى مستقبل افضل حيث يمكننا البقاء ولعب دور الضحية؟ في الوقت الحالي يمكن سن الكثير من القوانين والاستقامة ورفع الظهر بشرط أن يكون هذا الظهر هو الظهر الذي لا يتلقى الطعن اليومي.

عن «معاريف»