معادلة ترامب - نتنياهو: "ترانسفير شعب وكيان" خارج فلسطين

1707550098-916-3.jpg
حجم الخط

 كتب حسن عصفور

 لم يكن قولا ساذجا، ما أشار له رئيس حكومة دولة الفاشية اليهودية نتنياهو، من واشنطن يوم الخميس 8 فبراير 2025، على السعودية أن تقيم دولة فلسطينية في أراضيها، فهو جزء من الرؤية "التوراتية" العقيدة الفكرية للتحالف الحاكم في تل أبيب.

وبعد ساعات محدودة خرج أحد مخططي "الفكر الاستراتيجي" للتوراتية المعاصرة الجنرال غيورا آيلاند، ليزيد توضيح الإشارة النتنياهوية بأن هناك 3 دول يمكنها أن تقيم دولة فلسطينية فوق أراضيها، السعودية، مصر والأردن، باعتبار أن "الفلسطيني بات شعبا زائدا، ما يتطلب نقل "سكاني شامل من أرض فلسطين" إلى أرض عربية.

ربما، لم يدقق البعض بالترابط الزمني، بين أقوال نتنياهو وآيلاند حول إقامة دولة فلسطين خارج حدود فلسطين، وبين ما أعلنه قبلها بساعات الرئيس الأمريكي ترامب، بأن "إسرائيل دولة صغيرة جدا"، عندما تم سؤاله حول الضفة والاستيطان، في أول إشارة رسمية أمريكية كضوء أخضر للضم والتهويد، فكانت المشجع الأساسي لما تلاها من أقوال تطهيرية.

جوهر رؤية ترامب العملية، ومنذ فترته الأولى، تقوم على قاعدة أن "فلسطين التاريخية بكاملها ملك يهودي"، وهي "أرض دولة اليهود"، ولا مكان لأي كيان غيرها، وكانت شرارتها الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لها، وشطب أي رمزية أمريكية في القدس الشرقية، كمؤشر لتهويد المدينة بقسميها، في أخطر قرار أمريكي منذ العام 1948، ليس تجاوزا لقرارات الشرعية الدولية فقط، بل تجاوزا لمواقف أمريكية، ومنها توقيع اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو) الرسمي في البيت الأبيض سبتمبر 1993، ومسار التفاهمات اللاحقة.

ما كان لنتنياهو أن يجرؤ مطلقا التطاول على سيادة العربية السعودية، من واشنطن مكررا إياها في لقاءين متتالين، وباستخفاف نادر، لو أنه لم يجد دعما مطلقا من الرئيس ترامب وإدارته، وتم ترجمة ذلك سريعا بتصريحات السفير الأميركي المعين في تل أبيب مايك هاكابي، بأن مرحلة ترامب ستشهد تغييرات توراتية في الشرق الأوسط.

كان مهما جدا، الرد السعودي الفوري، ربما هو الأسرع منذ سنوات، وبلغة واضحة وقاطعة، سارعت فلسطين ومصر بدعم موقفها، وتأخرت غالبية الدول العربية في التفاعل، ومنها تذكر الرد بعد مضي يوم وأكثر، ضمن حسابات "ضيقة"، لكن الأبرز أن الرياض انتقلت لتوسيع ردها بفتح النار في وسائل إعلامها، ليس على موقف نتنياهو بذاته، بل عادت لأصل الرواية لكيان غاصب محتل وطارئ، لغة غابت طويلا عن الإعلام السعودي، واختفت كثيرا من إعلام عربي (رسمي وخاص).

الاستنفار السعودي، رسميا وإعلاميا، مؤشر هام لإدراك مخاطر تصريح نتنياهو وجوهره التهويدي، مشتقا من شعار "ارض إسرائيل من النيل إلى الفرات"، وجدت دعما لها كليا في إدارة ترامب التوراتية، فكان الفعل برد فعل حول أصل الحكاية والصراع، وهو ما يجب أن يعود بقوة لرسالة الإعلام العربي العام، لغة تكشف مخاطر وجود هذه الدولة بكاملها، وليس بحكومتها دون تغيير جذري بها تكوينا ومواقفا.

لم يكن صدفة أبدا، عدم توضيح موقف الإدارة الأمريكية ما قاله سفيرها الجديد اليهودي الصهيوني بتوراتية المنطقة في زمن ترامب، ما يشير إلى أن المسألة ليس هدفا متعلق بحكومة نتنياهو فحسب، بل هو هدف مركزي للإدارة الجديدة.

جوهر الفكرة التوراتية المعاصرة تستند إلى تطوير أبعاد مشروع بلفور من "إقامة وطن لليهود إلى شطب وجود وطن لغير اليهود"..ما يؤدي إلى تنفيذ عملية "ترانسفير شعب وكيان" إلى دول شرق مجاورة.

مواجهة مشروع التهويد التوراتي التوسعي الجديد، يتطلب رؤية فكرية وسياسية، خالية من "أمراض الزمن السابق"، استنادا لمعادلة أنها معركة "وجود وليس حدود".

ملاحظة: قبل 43 عاما، تم إعادة تأسيس حزب الشعب الفلسطيني، كامتداد تاريخي لنضال الشيوعيين في فلسطين، بكل ما سجلته مسيرتهم المضيئة وما كان تضحيات وطلائعية الفكر والرؤية، كان لها أن تمنع كثيرا من ويلات لو أدرك عمقها من كان في مركز القيادة الوطنية..

في ذكرى إعادة تأسيس حزب الشيوعيين الفلسطينيين المعاصر، نرفع القبضة عاليا مرددين ذاك الصوت الذي لم يخفت أبدا ولن يخفت: "لا تطهير ولا تهجير يا فاشيين وترامبين".