شهادات مرعبة.. الاحتلال ينهي حياة زوجين فلسطينيين بـ"لعبة البعوض"

a25c3890-eca0-11ef-b8d4-77936cf599bd-file-1739736013458-185962119.webp
حجم الخط

وكالة خبر

لم يكن الشيخ الثمانيني يدرك أن سنوات عمره الطويلة ستنتهي بسلك متفجر مقيد حول عنقه، مجبرًا على التقدم أمام جنود إسرائيليين لاستكشاف منازل بني جلدته المهجورة في قطاع غزة، وكأنه مجرد أداة أو روبوت في لعبة ما يسمى بـ"إجراء البعوض".

وفي واحدة من أكثر الروايات إثارة للصدمة، كشف تقرير نشره موقع "أسخن مكان في الجحيم" الإسرائيلي عن استخدام الجيش الإسرائيلي لمدني فلسطيني مسن كدرع بشري، قبل أن يُقتل هو وزوجته بدم بارد في شوارع غزة.

"إجراء البعوض"

بحسب شهادات حصلت عليها مجلة "+972" الإسرائيلية، فإن الضابط المسؤول عن وحدة تابعة للواء ناحال الإسرائيلي قام بربط سلك متفجر حول عنق رجل فلسطيني يبلغ من العمر 80 عامًا، وأجبره على استكشاف المنازل المهجورة في قطاع غزة تحت تهديد "إذا فعل شيئًا خاطئًا أو غير ما يريد، فسوف يقوم بسحب حبل التفجير وسيتم فصل رأسه عن جسده".

هذه الحادثة وقعت في مايو الماضي بحي الزيتون في غزة، حيث صادف جنود الاحتلال الزوجين المسنين، اللذين أكدا أنهما لم يتمكنا من الفرار بسبب صعوبات في الحركة، إذ يحتاج الرجل إلى عصا للمشي، فيما كانت زوجته تعاني ظروفًا صحية.

وفقًا لإفادات جنود كانوا موجودين في المكان، قرر القائد الإسرائيلي استخدام الرجل المسن في ما يُعرف بـ"إجراء البعوض"، وهو تكتيك عسكري كُشف عنه أخيرًا، ويعتمد على إجبار المدنيين الفلسطينيين على السير أمام القوات الإسرائيلية لحمايتهم من الكمائن والمتفجرات المحتملة.

وأضاف الجنود الإسرائيليين في إفادتهم، إن المسنين الفلسطينيين تحدثا مع مقاتلين إسرائيليين ناطقين بالعربية، وأوضحا لهم أن أبناءهما غادروا أو فروا، ولم يكن أمامهما خيار سوى البقاء في المنزل، وأضاف مقاتل آخر: "القيادة قررت استخدامهما كبعوض".

وبحسب شبكة CNN فإن لقب "البعوض" يأتي من اسم "إجراء البعوض"، وكما نشرت صحيفة "هآرتس الإسرائيلية فإن "إجراء البعوض" يجبر فيه جنود الاحتلال المدنيين الفلسطينيين في منطقة القتال على العمل كدروع بشرية تحت تهديد السلاح.

8 ساعات من الرعب

وحسب موقع "أسخن مكان في الجحيم" تم احتجاز الزوجة داخل المنزل، بينما أُجبر الرجل المسن على السير أمام الجنود متكئًا على عصاه، وكشف أحد الجنود للموقع الإسرائيلي: "كان يتم إجباره على دخول كل منزل قبلنا، حتى إذا وُجدت عبوات ناسفة أو مسلحون بالداخل، يكون هو الضحية بدلاً منا"، وقبل بدء التفتيش، قام الضابط بربط السلك المتفجر حول عنق الرجل المسن، وهدده بسحبه إذا لم يلتزم بالأوامر.

بعد 8 ساعات من المعاناة، أعاد الجنود الرجل إلى منزله وأمروه بالمغادرة مع زوجته سيرًا نحو المنطقة الإنسانية في جنوب غزة، لكن الجنود لم يبلغوا الوحدات الأخرى بمرور الزوجين، ما أدى إلى مقتلهما على الفور فور رصدهما من قبل كتيبة أخرى.

بروتوكولات القتل

وفقًا لما كشفته الشهادات، فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتبع قواعد اشتباك صارمة، حيث يُعتبر أي شخص يتحرك داخل مناطق العمليات بعد "مهلة الإخلاء" المحددة هدفًا عسكريًا مشروعًا، ورغم نفي الجيش الإسرائيلي لهذا الأمر رسميًا، إلا أن شهادات الجنود تؤكد أن هذا البروتوكول يُطبق بشكل منهجي.

في يناير الماضي، كشف تحقيق لموقع "أسخن مكان في الجحيم" عن حادثة مماثلة نفذها لواء ناحال أيضًا، حيث قُتل فلسطيني حصل على إذن بالبقاء داخل مبنى برفقة الجنود برصاص قائد لم يتم إبلاغه بوجوده.

استنكار حقوقي

رغم أن المحكمة العليا الإسرائيلية سبق أن حظرت استخدام المدنيين كدروع بشرية خلال الانتفاضة الثانية، إلا أن الجنود الذين تحدثوا للموقع الإسرائيلي أكدوا أن هذه الممارسة أصبحت روتينية منذ السابع من أكتوبر، وأشار أحدهم: "إنها سياسة مغطاة من قبل الجيش، يتم تنفيذها كأوامر مباشرة من قيادات الكتائب، لكن يتم إنكارها رسميًا، وعندما يتم اكتشاف الأمر، يتم تحميل الجنود الصغار المسؤولية".

في تعليق على الحادثة، قال جندي من لواء ناحال: "إذا سألت أي مقاتل خدم في غزة، فلن تجد أيًا منهم يقول لك إن هذا لم يحدث"، مشيرًا إلى أن جميع الكتائب النظامية استخدمت هذا الإجراء بشكل أو بآخر.

نفي إسرائيلي دون تحقيق جدي

في رد رسمي، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنه "بعد التحقيق في المعلومات الواردة، يبدو أن القضية غير معروفة"، مضيفًا أنه "في حال تلقي تفاصيل إضافية، سيتم إجراء تحقيق إضافي".

لكن وفقًا لمصادر ميدانية، لا يوجد أي أمل في أن يعترف الجيش الإسرائيلي بهذه الممارسة بشكل رسمي، رغم الشهادات العديدة التي تؤكد انتشارها الواسع.

وتثير هذه الشهادات تساؤلات خطيرة حول مدى التزام الجيش الإسرائيلي بالقانون الدولي الإنساني، خاصة وأن هذه الممارسات تمثل انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف التي تحظر استخدام المدنيين كدروع بشرية.

كما أنها تعكس تصعيدًا خطيرًا في أساليب القتال المستخدمة في غزة، حيث يتم التعامل مع السكان المدنيين كأدوات حرب وليس كأرواح بشرية يجب حمايتها.