هل أدار ترامب ظهره لأوروبا؟!

تنزيل (3).jpeg
حجم الخط

الكاتب: هاني عوكل


 

لا أحد يمكنه بالضبط التنبؤ بما يدور في عقل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أحدث للتوّ زلزالاً في العلاقة الإستراتيجية التي تربط بلاده بالغرب الأوروبي منذ عقود طويلة، ويستعد لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية على مبدأ الصفقة والربح والخسارة.
قبل أن يصل إلى البيت الأبيض، ردّد ترامب عبارات من قبيل وقف الحرب في أوكرانيا والتلويح بوقف الحماية الأميركية لأوروبا وكييف، وهذا التهديد مرتبط برغبة الرئيس الأميركي الجديد في الحصول على ثمن الحماية التي تقدمها واشنطن لحلفائها الأوروبيين.
في البداية يرى ترامب أن الولايات المتحدة الأميركية تنفق على الأمن الأوروبي من جيبها أكثر من الأوروبيين، وفي المقابل لا تحصل على منافع اقتصادية ممثلة في فتح الأسواق الأوروبية أمام المنتجات الأميركية وعلى رأسها السلاح والغاز المسال والسيارات.
سواء مع حلفائه أو مع أعدائه وما بينهم من دول محادية، ينظر سيد البيت الأبيض إلى العلاقات الدولية على أنها مبنية فقط على المنافع الاقتصادية، ولذلك يلحظ أن خطابه تغير تجاه أوكرانيا، إلى درجة أنه بدا منفتحاً على مسألة إنهاء الحرب باستبعاد حلفائه الأوروبيين.
أما بالنسبة إلى التلويح بوضع أوروبا على «الرف»، فالموضوع له علاقة بضغط واشنطن على حليفها الإستراتيجي للحصول على إجابات بشأن الشراكة الاقتصادية، إما بتعزيزها وفقاً لمبدأ فتح السوق الأوروبي أمام البضائع الأميركية أو فرض رسوم أميركية قاسية على الصادرات الأوروبية.
ينتظر ترامب إجابات كثيرة من أوروبا على طبيعة العلاقة التجارية بين البلدين، وإجابة أخرى بشأن انتقاد نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس لأوروبا أمام مؤتمر ميونيخ للأمن، وقوله: إنها تشهد تراجعاً في القيم الديمقراطية وحرية التعبير.
إذا حققت أوروبا رغباته في الموضوعين السياسي والاقتصادي، الأول لجهة التحول نحو الفكر اليميني والثاني فتح «ماسورة» المال على أميركا والاستثمار فيها، فإن ترامب سيشرك الأوروبيين في مفاوضات إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية.
وأما بشأن الضغط على أوكرانيا وإقصائها من مفاوضات وقف إطلاق النار مع روسيا، فقد تعمّد الرئيس الأميركي الضغط على كييف حتى يحصل منها على ثمن الدعم المالي والعسكري الذي قدمته إدارة بايدن السابقة.
قبل أن يوجه سهامه ناحية الرئيس الأوكراني زيلينسكي، طلب ترامب من كييف حق الانتفاع بالحصول على المعادن الأرضية النادرة مقابل توفير الحماية ودعمها لأوكرانيا بالسلاح الأميركي، غير أن الرئيس الأوكراني رفض هذا الطلب وقال: إن بلاده ليست للبيع.
فوراً بعد ذلك فتحت معركة التلاسن الخطابي بين الرئيسين، ترامب قال عن نظيره الأوكراني: إنه دكتاتور وإن على بلاده إجراء انتخابات لأنها لم تفعل ذلك منذ مدة، وطالب أوكرانيا بالأموال الأميركية التي قدمت في عهد بايدن. زيلينسكي في المقابل قال: إن ترامب يردد المعلومات المضللة من المصادر الروسية.
الرئيس الأميركي ذهب في خطوة أبعد من انتقاد نظيره الأوكراني، بعقد مفاوضات ثنائية مع روسيا في المملكة العربية السعودية، سبق ذلك إشارات مطمئنة لموسكو حول انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو».
برأيه أن انضمام كييف إلى «الناتو» أمر غير عملي، ورجح ألا تستعيد أراضيها التي استولت عليها روسيا في خضم الحرب، ويبدو أن هذه التصريحات يريدها لغرض في نفس يعقوب، لأنه سيدفع الأوروبيين والأوكرانيين لتقبل العمل والشراكة وفق الصيغة الأميركية.
بعد كل التصريحات الترامبية القوية ضد زيلينسكي ودعوته لمغادرة منصبه سريعاً، بدا وكأن الأخير يطلب الصفح والرضا من الرئيس الأميركي تفادياً لرميه في الطريق، غير أن ترامب يرغب في تحقيق صفقة مع روسيا تنهي الحرب.
ربما يحاول تخويف أوروبا بروسيا حتى يستفيد من الأولى، وكذلك يفعل مع أوكرانيا حتى يحصل على معادنها الثمينة، وفي المقابل قد يهمه تأسيس شراكة مع موسكو تفيده في الاستثمار بالأخيرة وضمها إلى حلف جديد يهدف لتطويق ومحاصرة الصين.
في الحقيقة ليست صدفةً أن يضع ترامب يده بيد نظيره الروسي بوتين، فالأمر له دلالات إستراتيجية مرتبطة بالتغوّل الأميركي في القارة الأوروبية والاستفادة من خيراتها وثرواتها، وتحييد روسيا من أجل التفرغ للتعامل مع التنين الصيني.
ترامب يريد إبرام صفقات تمكنه من مواجهة النفوذ الصيني في العالم، ويبدو أنه لا يعتبر روسيا مصدر تهديد عالمي، طالما تمكن من احتوائها. هو يريد أن يستفيد من كل حلفائه وحتى من روسيا، وفي ذات الوقت يعمل على عزل الصين عالمياً تمهيداً لإخضاعها وإضعافها.