في ظل تعقيدات المشهد السياسي والميداني في قطاع غزة، تواصل إسرائيل اتباع استراتيجية جديدة لا تقل قسوة عن حرب الإبادة التي تورطت فيها خلال حربها على قطاع غزة، إذ ربطت تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين بإطلاق سراح المحتجزين.
وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، فإن تل أبيب تضع شروطًا صارمة لإدخال الإمدادات إلى القطاع خلال شهر رمضان، مشترطة الإفراج عن مزيد من المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس.
يأتي هذا الموقف بعد انتهاء المرحلة الأولى من صفقة الرهائن دون التوصل إلى اتفاق على مرحلة ثانية، ما دفع إسرائيل إلى إغلاق المعابر ووقف تدفق المساعدات، وسط تصاعد التوترات بين الطرفين.
لا مساعدات دون تنازلات
بحسب مسؤول إسرائيلي كبير، فإن الحكومة الإسرائيلية أوضحت في مفاوضاتها أنها مستعدة للنظر في "حل وساطة" مؤقت يسمح بإطلاق سراح عدد من المحتجزين مقابل تقديم بعض الإمدادات إلى غزة، إلا أن رفض حماس لهذا العرض دفع إسرائيل إلى اتخاذ قرار بإغلاق المعابر بشكل كامل.
وأضاف المسؤول، أن تل أبيب لا تستخدم مصطلح "المساعدات الإنسانية" عند الحديث عن الإمدادات إلى غزة، بل تصفها بـ"الإمدادات اللوجستية"، مشيرًا إلى أن حماس تستفيد من هذه الشحنات لتعزيز قوتها العسكرية، كما شدّد على أن أي مساعدة مستقبلية ستخضع لشرط أساسي وهو إطلاق سراح مزيد من المحتجزين.
مزاعم إسرائيلية
منذ بداية الحرب، تبنت إسرائيل سياسة متشددة تجاه دخول الإمدادات إلى غزة، متهمةً حماس بسرقة المواد الأساسية وتحويلها إلى موارد تدعم عملياتها العسكرية، وقال المصدر الإسرائيلي لصحيفة "يديعوت أحرونوت" إن إسرائيل، عندما سمحت بدخول الوقود والغذاء في وقت سابق، كانت تهدف إلى "ضمان استمرار القتال وتحقيق الأهداف العسكرية"، لكن بعد تقييم الأوضاع، تبين أن هذه المساعدات تعزّز من قوة حماس.
وادعى المصدر أن "وقف دخول البضائع ليس مجرد عقاب، بل هو جزء من استراتيجية تقويض قدرات حماس، كل يوم لا تحصل فيه على إمدادات يعني أنها تخسر موارد ضرورية لاستمرار عملياتها العسكرية".
مفاوضات معقدة
بينما تسعى الأطراف المعنية إلى إيجاد حل سياسي، ترفض إسرائيل القبول بفكرة "المرحلة الثانية" التي تطالب بها حماس، معتبرةً أن التفاوض يجب أن يكون وفق شروط مختلفة، وأوضح المصدر أن إسرائيل لا ترى الوضع الحالي على أنه انتقال إلى "مرحلة ثانية"، بل "مرحلة جديدة" تُدار وفق معايير مختلفة عن تلك التي حكمت المرحلة الأولى.
وأشار إلى أن "الخطة الأمريكية التي يقودها المبعوث ستيف ويتكوف تحتاج إلى أسابيع من المناقشات لحل القضايا العالقة، وخلال هذه الفترة لا يمكننا الاستمرار في التفاوض دون إطلاق سراح المزيد من المحتجزين"، مؤكدًا أن رفض حماس لهذا الشرط قد يؤدي إلى انهيار المحادثات تمامًا.
أوضح المصدر أن سياسة إسرائيل واضحة: "لن يكون هناك وقف لإطلاق النار ما لم يترافق ذلك مع إطلاق سراح المحتجزين"، مضيفًا أن المفاوضات يجب أن تستمر "إما تحت النار أو بموجب اتفاق متفق عليه"، مشيرًا إلى أن رفض حماس تقديم تنازلات يجعل استمرار المحادثات أمرًا غير مضمون.
تهديد بالجحيم
بينما يتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس موقفًا أكثر تشددًا، مهددين حماس بـ"الجحيم" إذا لم تطلق سراح المحتجزين، أشار المصدر الإسرائيلي إلى أن الحكومة لا ترغب في التصعيد العسكري بقدر ما تسعى إلى الضغط على حماس عبر وقف الإمدادات.
وقال المصدر: "نحن مهتمون بمواصلة المفاوضات، لكننا لسنا مستعدين لتقديم وقف إطلاق نار مجاني، وقدمنا اقتراحات، لكن حماس رفضت مناقشة إطلاق سراح المحتجزين"، مؤكدًا أن "لا شيء سيتغير ما لم تبد حماس استعدادًا للتفاوض الجاد".
توقعات مستقبلية
أكد المصدر أن وصول المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلى المنطقة يعتمد على مدى استعداد حماس للانخراط في المفاوضات بجدية، وقال إن "عدم تحرك حماس حتى الآن يظهر أنها غير معنية بسكان غزة"، مضيفًا أن إسرائيل لا تزال تأمل في أن تؤدي الضغوط الدولية إلى دفع حماس نحو تنازلات تساهم في حل الأزمة.
وفي ظل رفض إسرائيل الموافقة على "المرحلة الثانية"، وامتناع حماس عن تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنه لا يُتوقع أن توافق حماس على إطلاق سراح أكثر من عدد محدود من المحتجزين الأحياء أو تسليم جثث أخرى، ما لم تتعهد إسرائيل بإنهاء الحرب.
رغم تعثر المفاوضات، لا يبدو أن إسرائيل تتجه نحو استئناف القتال على الفور، حيث تشير التقديرات إلى أن التصعيد غير متوقع خلال الأسبوع المقبل على الأقل. يعود ذلك جزئيًا إلى رغبة المستوى السياسي في منح رئيس الأركان الجديد، اللواء إيال زامير، فرصة لتولي مهامه وترتيب أولوياته.
وفي الوقت نفسه، قد تساهم زيارة المبعوث الأمريكي بريت ماكجورك المتوقعة بعد غد الخميس في إحراز تقدم في المحادثات، وفقًا لمصادر إسرائيلية، التي ترى أن الضغط الأمريكي والأوروبي قد يؤدي إلى إعادة فتح قنوات التفاوض حول وقف إطلاق النار وإطلاق سراح مزيد من المحتجزين.