صدر حديثاً عن عين حورس للنشر والتوزيع في القاهرة كتاباً جديداً بعنوان: أسس الجغرافية السياسية للباحثين الفلسطينيين الدكتور عبد القادر إبراهيم حماد والدكتور أكرم الحلاق والأستاذ الدكتور عودة جميل الفليت.
ويضم الكتاب الذي يقع في 550 صفحة من القطع المتوسط ثمانية فضول تتحدث حول موضوعات مختلفة في مجال الجغرافيا السياسية.
يهدف الكتاب إلى تقديم فهم شامل لأهم مفاهيم الجغرافيا السياسية بأسلوب منهجي، يبدأ بـ نشأة الجغرافيا السياسية وتطورها، ويستعرض السياقات التاريخية والاجتماعية التي أدت إلى ظهور هذا التخصص كعلم مستقل. إن تطور الجغرافيا السياسية ليس مجرد تاريخ للأفكار، بل هو انعكاس لتحولات جذرية في العلاقات الدولية، والتوازنات العالمية، والصراعات على الموارد والحدود.
هذا الفصل يوضح كيف تزايدت أهمية الجغرافيا السياسية مع تعقد العلاقات بين الدول ونشوء نزاعات حدودية واقتصادية على مدار العصور.
من خلال تناول نشأة الدولة ومراحل تطورها، يعرض الكتاب بعمق كيفية ظهور الدول ككيانات سياسية وسيادية، وكيف انتقلت عبر مراحل مختلفة من الكيانات القديمة إلى الدول القومية الحديثة. هذه الدراسة تسهم في فهم الأسس التي ترتكز عليها الدول اليوم، وما الذي يجعل بعض الدول تتمتع بالاستقرار بينما تعاني أخرى من النزاعات والتفكك.
ويأتي بعد ذلك التركيز على قوة الدولة: مفهومها وأشكالها وخصائصها، وهو من المحاور الجوهرية في الجغرافيا السياسية. يُعرّف الكتاب القوة في السياق الجغرافي والسياسي بشكل يبرز تفاعل الدول مع محيطها الإقليمي والدولي، مسلطًا الضوء على تنوع أشكال القوة من سياسية وعسكرية إلى اقتصادية وثقافية، وكيف تسهم هذه القوى في تعزيز أو تقويض النفوذ الدولي للدول.
ولا تتوقف أهمية الجغرافيا السياسية عند العوامل البشرية والسياسية، بل يُقدم الكتاب تحليلًا متعمقًا حول المقومات الطبيعية للدولة، ويبين كيف تلعب العوامل الطبيعية مثل الموقع الجغرافي، والتضاريس، والمناخ دورًا مركزيًا في تحديد مكانة الدولة ونفوذها.
فالموقع الاستراتيجي يمكن أن يكون عاملًا حاسمًا في تحديد القوة العسكرية أو الاقتصادية للدولة، مثل سيطرة بعض الدول على ممرات بحرية حيوية أو موارد طبيعية نادرة.
يتناول الكتاب أيضًا المقومات البشرية للدولة، حيث يتم فحص الدور الذي تلعبه الموارد البشرية في تشكيل قوة الدولة. السكان، التكوين العرقي والثقافي، والهياكل الاجتماعية ليست مجرد عوامل داخلية، بل هي مكونات تؤثر على توازن القوة على المستوى العالمي. كما يتعمق في المقومات الاقتصادية التي تعد جوهر الاستقرار والتنمية، مسلطًا الضوء على تأثير الاقتصاد في تشكيل سياسات الدول واستراتيجياتها الجيوسياسية.
ويخصص الكتاب فصلاً لواحدة من أكثر القضايا حساسية في العلاقات الدولية المعاصرة وهي الحدود السياسية ومشكلاتها. الحدود، سواء كانت طبيعية أو مصطنعة، تمثل دائمًا نقطة نزاع بين الدول، وتعد أحد العوامل الرئيسة التي تؤدي إلى اندلاع الحروب أو الصراعات الحدودية. هذا الفصل يشرح كيف أن ترسيم الحدود أصبح أحد أعقد المسائل في العلاقات الدولية اليوم.
إضافة إلى ذلك، يتناول الكتاب مشكلة الحدود الساحلية والمياه الإقليمية التي أصبحت مؤخرًا محورًا للنزاعات العالمية، خصوصًا في ظل تزايد أهمية الموارد البحرية مثل النفط والغاز. يناقش الكتاب كيف أن المياه الإقليمية تثير التوترات بين الدول المجاورة، ويستعرض الصراعات القائمة حول السيطرة على البحار والمحيطات.
أهمية هذا الكتاب تنبع من شموليته وعمق تحليله لمواضيع تعتبر من القضايا المحورية في عالم اليوم. إنه ليس مجرد استعراض للمفاهيم النظرية، بل يقدم ربطًا عمليًا بين الأفكار الجغرافية والسياسية من جهة، وبين التطورات العالمية والنزاعات القائمة من جهة أخرى. يناسب هذا الكتاب الأكاديميين، الطلاب، والباحثين في مجالات الجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية، وكذلك صانعي السياسات المهتمين بفهم أبعاد القوة الجيوسياسية وتأثيرها على العلاقات الدولية.
يوفر "أسس الجغرافيا السياسية" قاعدة علمية رصينة تساعد على فهم كيفية تشكل الخارطة السياسية للعالم، وكيف أن الجغرافيا الطبيعية والبشرية والاقتصادية تلعب دورًا محوريًا في تحديد مصير الدول وصراعاتها ونفوذها.