حتى اللص الذي التقى الشحاد في المحطة ، في مسرحية السيدة فيروز التي قدمتها أواخر ستينات القرن الماضي ، و تحمل اسم "المحطة" ، حتى ذاك اللص ، الذي عاب على الشحاد مهنته القائمة على التسول المهين ، عابه الشحاد انه حرامي يختلس الأموال من جيوب الناس . فقال له اللص انه ينتزعها بالقوة ، فرد عليه الشحاد انه ينتزعها بالسياسة ، عندها قال له اللص بما معناه ، انهما الاثنان مهمان و ضروريان لمصلحة الوطن ، حيث يمثلان القوة و السياسة .
في الأيام الأخيرة ، التي شهدت خروج بعض المتظاهرين في غزة يحمّلون حماس مسؤولية الإبادة و التدمير والتجويع و يطالبونها بالتنحي ، ركب موجتهم البعض السياسي/الديني أو الديني / السياسي فيوجه كلامه لحماس : لم يعد لكم لزوم .
كأننا بهذا البعض لا يدرك ، او انه لا يريد ان يدرك ، ان حماس ، وفق آخر انتخابات فلسطينية فازت بأغلبية برلمانية "تشريعية" مريحة (74 مقعدا من أصل 132 مقعدا) رغم ان استطلاعات الرأي أنذاك لم تكن لتمنحهم ذلك ، و لذلك قال إسماعيل هنية يومها ان الحركة فوجئت بهذه النتائج ، اما القيادي الفتحاوي نبيل عمرو فقال ان 25% من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة ، صوتت لحماس .
تعرف إسرائيل و أمريكا و السلطة و حماس و الناس ، أن إلغاء الانتخابات التي اقرت بمرسوم رئاسي قبل اربع سنوات ، و ألغيت بمرسوم رئاسي مضاد ، كانت لأسباب تتعلق بعدم إمكانية فوز مرشحي السلطة في تلك الانتخابات ، رغم الإعلان عن لائحة مشتركة بين فتح و حماس ، و رئيس واحد مشترك .
اليوم ، و بعد طوفان الأقصى ، و بعد الأداء البطولي لهذه الحركة المتمثل في أداء مقاوميها ، و استشهاد قادتها ، سياسيين و عسكريين و اعلاميين و حكوميين ، فإن استطلاعات الرأي تمنحهم تفوقا مريحا إزاء الاخرين ، ممن رفض الطوفان و ممن هدد و توعد ، و ممن شكك واستنكر و تمادى فوصل بأحدهم حد التخوين و اتهام السنوار أنه متفق مع نتنياهو على "الطوفان" .
ان الذين يقولون لحماس "لم يعد لكم لزوم" ، فكأنما يقولون لم يعد لنصف الشعب و أكثر ، لزوم ، كأنما يقولون لخمسين ألف شهيد ، لستم شهداء ، كأنما يقولون ان الضيف و السنوار و هنية و العاروري و حسن نصر الله و عشرات القادة ، انتم ما انتم الا طارئون في مرحلة طارئة ، و نحن قادة الخلود الدائم .
كأنكم تقولون ان الشجاعية و جباليا و المغازي وصمة عارنا لا سؤدد فخارنا . كأنكم تقولون ان المظاهرات المنفجرة في شوارع إسرائيل جراء ما أشعله الطوفان مجرد خلافات رأي لا تفسد في الود قضية ، كأنكم تقولون لمحكمة العدل و الجنايات الدولية و بقية المحافل ، راجعوا أنفسكم ، يبدو انكم التبستم بين إسرائيل و حماس ، كأنكم تقولوا لمئات المؤبدات عودوا الى سجونكم لتستكملوا أحكامكم ، كأن نزار قباني يعود ليقول ما قاله قبل سبعين سنة : كأن حراب إسرائيل لم تهدم منازلنا / ولم تحرق مصاحفنا / ولا راياتها ارتفعت على اشلاء راياتك / كأن جميع من صلبوا / على الأشجار في يافا وفي حيفا ، وبئر السبع .. ليسوا من سلالاتك / تغوص القدس في دمها /كأنما المأساة ليست بعض مأساتك / متى تفهم ، متى يستيقظ الانسان في ذاتك .