جيش السلام اليهودي

22
حجم الخط

حظيت في السنة الماضية في الوجود فترة طويلة على الجبهة الجديدة للشعب اليهودي: الجامعات الاميركية. فقد زرت 40 جامعة وألقيت المحاضرات أمام عشرات الآلاف من الشباب واستمعت الى آلاف الطلاب. وشاهدت شيطانية الـ»بي.دي.اس» وسمعت ألم الليبراليين الذين يجدون صعوبة في تأييد اسرائيل، شاهدت الكثيرين الذين يبتعدون عن الصهيونية وعن اليهودية احيانا. في ستانفورد وباركلي ونورث ووسترن وميتشيغان وفرنستاون وبراون وهارفارد وكولومبيا – ايضا عشرات المؤسسات الاكاديمية الاخرى – أجريت نقاشات تفطر القلب مع جيل يهودي جديد، مثقف، عاش ازمة هوية، ترفض حكومة اسرائيل فهمها واستيعابها. شاهدت بأم عيني وسمعت بأذني كيف أننا نخسر المستقبل. هذه التجربة المتواصلة هزتني. في نفس الوقت بذلت كل ما في استطاعتي من اجل اعادة الشباب اليهود الذين لم تعد الدولة اليهودية تخاطب قلوبهم – فهمت ما هو التحدي الوجودي الحقيقي بالنسبة إلينا: الصدام المباشر بين الصهيونية وبين روح الوقت في القرن الواحد والعشرين. حقيقة أن معظم الشباب في أميركا الشمالية واوروبا تبنوا القيم الدولية، تدفعهم الى النظر الى اسرائيل كقبلية. حقيقة أنه في الوقت الذي فيه الاخطاء الثلاثة الكبرى هي القوة والحماية والخصوصية، فاننا نعتبر وبشكل مشوه مستخدمين للقوة ونحظى بالحماية والخصوصية. مع كل الاحترام للعمل الجيد الذي تقوم به عشرات المنظمات المخلصة في ارجاء أميركا الشمالية – اذا لم ننجح في مواجهة هذه المشكلة الاساسية فلا توجد فرصة لننجح في تغيير الوعي لدى مليون شاب يهودي وعشرات ملايين الشبان غير اليهود الذين يتعاطون بشكل مختلف عن آبائهم واجدادهم مع دولة اسرائيل. في الطرق الثلجية التي أخذتني من جامعة الى جامعة فهمت أن الرد على التهديد العميق والفوري يجب أن يكون اقامة مشروع قومي جديد للشعب اليهودي يهتم بحقيقة أننا قبيلة عالمية – أو شعب له رسالة انسانية. المشروع الجديد يجب أن يكون طموحا وابداعيا ومليئا بالطاقة. ويجب أن يُمكن مئات الآلاف من العمل من اجل اصلاح العالم تحت العلم اليهودي وبمستوى واسع جدا. وفي هذا السياق علينا بناء جسور بين الدولة اليهودية والشتات اليهودي وبين الشبان الاسرائيليين والشبان من الشتات. احدى الجامعات التي وصلت اليها في الشتاء الماضي كانت جامعة ميتشيغان بان اربور. الجالية اليهودية المحلية – دافئة وقوية – مرت بتجارب غير سهلة بسبب مواجهة الـ»بي.دي.اس». لكن في نهاية يوم انفعالي يبعث على الالهام اجتمعنا كلنا من اجل النقاش المعمق عن مبنى ميتشيغان يونيون الرائع. وقال لي المضيفون بفخر إنه هنا على هذه الدرجات ألقى جون كنيدي خطاب جيش السلام في تشرين الاول 1960. وفجأة اصبح ذلك واضحا مفروغا منه. الامر الذي نحتاجه هو جيش سلام يهودي. مشروع مشترك بين حكومة اسرائيل ويهود العالم يدمج القدرات الاسرائيلية (سلاح الجو، سلاح الطب، الخدمات الدبلوماسية، الذراع اللوجستية) مع المصادر اليهودية في الشتات وطموح الكثير من الشباب في البلاد وفي العالم للقيام بأعمال عادلة داخل الصلة اليهودية وتعظيم الهوية اليهودية. تخيلوا للحظة: في عمر 18، 20 أو 22 كل يهودي في العالم مطلوب للخدمة في جيش السلام اليهودي. توجد أمامنا ستة مساقات: العمل في يروحام (مع اليهود الاسرائيليين)، العمل في رهط (مع العرب الاسرائيليين ذوي القدرات المحدودة)، العمل في اوكرانيا (مع اليهود المطاردين)، العمل في كمبوديا (مع الاولاد الذين ينقصهم كل شيء)، العمل في ديترويت (مع الافرواميركيين سيئي المصير) أو العمل في الشوارع (من اجل تطوير تكنولوجيات اصلاح العالم). تخيلوا للحظة: بعد أن يصل الشاب أو الشابة الى معسكر جيش السلام للهدف الذي اختاروه يخصصون 7 – 8 ساعات يوميا للعمل الاجتماعي المدني وساعتين – ثلاث يوميا للتعلم اليهودي التعددي قبل الوصول الى حفل المساء. ما هو التغيير الذي سيحدث في حياتهم بعد هذه التجربة؟ ما هو التغيير الذي سيحدث حول مكانة اسرائيل واليهودية المنظمة في وعي اليهود وغير اليهود في القرن الواحد والعشرين؟ بدل أن تكون الدولة اليهودية معروفة بالاحتلال والقمع والاستيطان والاصولية وردود الفعل، ستكون منحازة الى حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية ومحاولة تحويل العالم الى مكان افضل. بدل أن تكون الصهيونية ترتبط بالعنصرية ستكون مرتبطة بالعمل بين الاجناس وبين الاديان وعلى مستوى دولي. التواصل الذي سينشأ بين الهوية الخاصة بنا وبين الالتزام الدولي لنا، سيعطي اجابة ساحقة للهجوم الخارجي على شرعيتنا، ويعطي اجابة عميقة للتساؤلات الداخلية عن صورتنا ومغزى حياتنا المشتركة. أول من وضع فكرة جيش السلام الاسرائيلي كان يوسي بيلين. وهو الذي بادر الى تغليت – مع تشارلز برومفمان ومايكل شتاينهارت – اقترح في التسعينيات انشاء جسم قومي انساني يعبر عن القيم الحضارية لاسرائيل. وخلال العشرين سنة الماضية قامت دزينة منظمات مختلفة – اسرائيلية ويهودية – باعمال في العالم الثالث. وفي دزينة من الكوارث عملت اسرائيل بشكل سخي ولافت واستثنائي. لكن الحلم الاساسي لبيلن لم يتطور. فحتى اليوم لم يقم جسم رسمي يقوم باحداث التغيير الاستراتيجي حول طريقة سلوك اسرائيل في العالم وصورة اسرائيل أمام العالم. جيش السلام ليس دواء سحريا. اذا استمرت اسرائيل في السيطرة على شعب آخر وبناء المستوطنات واظهار التطرف القومي الديني – فلن يتأثر بها أو يتبرع من اجلها أي شاب ليبرالي من كاليفورنيا. اذا خانت اسرائيل قيمها الديمقراطية – لن ترغب أي شابة من بوسطن أن تكون شريكة في الاعمال في النقب والجليل أو افريقيا. لكن الى جانب المعركة الداخلية على روح وطريق الدولة اليهودية الديمقراطية هناك حاجة الى مشروع قومي جديد للشعب اليهودي ليعيدنا الى أنفسنا ويعيدنا الى رسالتنا. لن نهزم الـ «بي.دي.اس» بالدعاية. الاغتراب العميق مع أميركا الشابة والمتطورة لن يغيب عن طريق العلاقات العامة. وازمة الهوية العميقة التي يعيشها شباب يهود كثيرون لن تختفي بالاقوال. فقط اذا انشأنا اطارا فوقيا يسمح للشباب اليهود في الشتات والشبان الاسرائيليين بأن يعملوا معا على اصلاح العالم واصلاح اسرائيل، فقط حينها نستطيع اصلاح الضرر الكبير الذي تسببنا فيه لانفسنا في العقود الاخيرة – وهكذا نلائم الصهيونية مع تحديات الالفية الثالثة.