رغم اعادة فتحها من جديد ، في مكانها القديم ، عادت المصالحة بين حركتي فتح وحماس تراوح مكانها ، ولكن هذه المرة بإهتمام أقل ويكاد يكون منعدما خاصة في اوساط الجماهير التي لها اهتمامات اخرى منهمكة فيها ، فهي تريد استعادة جثامين شهدائها لكي يتم دفنهم كما يليق بهم ، يريدون ان ينصروا اسيرا جديدا يتحدى دولة الاحتلال بكل جبروتها وحده ، فقط بجوعه وامعائه لاكثر من تسعين يوما ، يريدون نصرة المعلمين كشريحة واسعة من شرائحهم المهمة ، الذين خرجوا عن بكرة ابيهم في مطالب محض نقابية لكي يستمروا في اداء رسالتهم التعليمية السامية بدون عوز وبدون المس بكرامتهم التي تطول ما يزيد على مليون طالب وطالبة .
فلماذا بزغت فكرة المصالحة من جديد دون ان يكون هناك اي مسوغ ايجابي يقود الى دفعها نحو الانفراج الحقيقي ؟ لم نلمس اي تغييرات جوهرية في موقف هذا الطرف او ذاك لكي يعول عليه ، باستثناء اندلاع الانتفاضة الثالثة التي تدخل هذه الايام شهرها السادس ، ومن بين مطاليبها المتضمنة بين سطور شهدائها وجرحاها واسراها ، انجاز المصالحة ، التي اساء غيابها لصورة نضال هذا الشعب وهددت بانهيار مداميكه الكفاحية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والاخلاقية ، وكاد الشق العمودي ان يطول الوطن ايضا في وحدته الجغرافية ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة .
إن قطاع غزة الذي تحكمه حركة «حماس» ، هو مربط الفرس ، وهو ، اي القطاع ، لا الحركة التي تحكمه ، هو حجر الرحى ، فهو في خاصرة فلسطين ، وهو الذي يتكيء عليه البحر المتوسط في جنوبه الشرقي ، وهو الذي يربط القارتين العظيمتين اسيا مع افريقيا ، وهو الذي يتوسط بين مصر الناهضة ، واسرائيل العاتية ، التي يتبجح زعماؤها اليوم بالافصاح عن علاقات عميقة تربطها اليوم مع الكثير من الدول العربية في حالة الاصطفاف التي تشهدها المنطقة والاقليم بعدة لغات اخرى على رأسها التركية والفارسية والروسية والامريكية والعبرية ناهيك عن اساطيل بالفرنسية والانجليزية .
لقد راجعت عواصم عدة مؤثرة نفسها ازاء الخطر الذي يمكن ان يتسببه خروج حماس من الصف الذي تقوده السعودية ، فهي حركة اثبتت مطواعيتها والتزامها الشديد بكل ما طلب اليها ، ومع ذلك يتم محاصرتها على مدار عشر سنوات برا وبحرا وجوا ، ويتم الاعتداء عليها في حروب غير عادلة ، وتفتح لها مصر معبرها بالقطارة لمرور المرضى والمقعدين والعمرة . ماذا ان سقطت في الحضن الايراني المفتوح لها ولغيرها على مصراعيه ؟ وها هي ايران بالتوافق معها ومع غيرها تقدم على خطوة نوعية في دعم الانتفاضة ماليا . هل يجوز بعد ان سقطت لبنان ، السماح بسقوط غزة ، ام سيعطونها الميناء مقدمة لان تكون دويلة مستقلة في عداد حل الدول الثلاث بدل حل الدولتين .