شكلت الدورة الثانية والثلاثون للمجلس المركزي التي عقدت نهاية الأسبوع الماضي ضرورة لا بد منها وحاجة وطنية في هذه المرحلة الحرجة. وبقدر ما أثارت الجلسة الكثير من النقاش بقدر ما شكل عقدها نقطة فارقة في العمل السياسي الفلسطيني لأنها اشتملت على خلق قواعد تشمل استدامة عمل المؤسسة الوطنية والحفاظ على استمرارها. وربما كنت مثل الكثيرين ممن رغبوا أن يروا المجلس وقد عقد في بداية الحرب على غزة لمناقشة سبل وقف الإبادة وحماية شعبنا، وهي رغبة تعبر عن الدور المنوط والمتوقع من المجلس كحلقة الوصل بين برلمان منظمة التحرير (المجلس الوطني) وبين اللجنة التنفيذية؛ الذراع التي تدير العمل السياسي الفلسطيني برمته. ومع هذا فثمة نقطتان واجبتان في هذا السياق، الأولى تقول، أن يعقد المجلس حتى بعد هذه الفترة أمر مهم، ويمكن التذكير بأن هذا خير من ألا يعقد، وان من ينتقد عقده كان سيواصل نقده لو لم يعقد المجلس ويهاجم عدم انتظام جلساته. ما أرمي إليه أن عقد المجلس رغم ما قد يعتور ذلك من هنات وما يمكن سوقه من ملاحظات أمر مهم وهو بكل الأحوال أفضل من عدم عقده، لعل الدورة الأخيرة تكون دافعاً لانتظام دورات المجلس. والنقطة الثانية، إن العمل على وقف الحرب هو جزء من عمل الذراع التنفيذية في المنظمة وإن عقد المجلس لم يكن ليشكل قوة دفع كبيرة في هذا السياق، ومع هذا فإن هذا لم يعفِ هيئة مكتب المجلس من تسيير الوفود البرلمانية للدول المؤثرة للقاء البرلمانيين فيها من أجل التأكيد على وجوب التدخل لوقف الإبادة ولفضح ممارسات الاحتلال بحق شعبنا وعدم الاكتفاء بالإدانة والتنديد. الكثير من العمل كان يمكن عمله في سياق تفعيل العمل البرلماني دون الحاجة لعقد جلسة. ومع ذلك تم عقد جلسة تشاورية بالخصوص لم تكن كافية.
المجلس في السنوات الأخيرة، كان يعقد على فترات متباعدة والأمر غير مرتبط بالظرف الراهن. وهذا يتطلب انتباهة إلى وجوب عودة الحياة البرلمانية لمنظمة التحرير الفلسطينية عبر انتظام عقد دورات المجلس الوطني حيث أمكن وعقد المجلس المركزي حيث تعذر، من هنا فإن توسيع عضوية المجلس رغم ما قد يساق من أسباب قد تبدو نبيلة وراء ذلك، ربما سيشكل عقبة أمام عقد جلسات للمجلس في حال تعذر عقد جلسات «الوطني». ما أقوله، إن انتظام عقد جلسات المجلس أمر مهم في إعادة الاعتبار لهيئتين تمثيليتين مثل المجلسين الوطني والمركزي وربما إضفاء المزيد من الوظائف التشريعية لهما في ظل تعذر إجراء انتخابات عامة في الضفة وغزة، أي مناطق السلطة الفلسطينية، بوصف المجلس المركزي هو الذي أنشأ السلطة الفلسطينية ونص على أن منظمة التحرير هي صاحبة الولاية القانونية على أعمال هذه السلطة. وهذا يجب أن يكون ضمن الخطة الإصلاحية الواجبة لإعادة الاعتبار لدور ولمكانة منظمة التحرير الفلسطينية وللحد من الأزمة التشريعية الناجمة عن غياب المجلس التشريعي ولإعمال الرقابة على أعمال الحكومة أيضاً.
بقي الأمر الأكثر إثارة للنقاش بخصوص هذه الدورة والمتمثل باستحداث منصب نائب لرئيس اللجنة التنفيذية، حيث تم تقديم الأمر وكأنه أمر جلل فيما لم يتعدَ كونه ترتيبا واجبا لعمل اللجنة التنفيذية بحيث لا يحدث أي فراغ في المستقبل. والقصة لم ترتبط بشيء بقدر ارتباطها بمأسسة العمل السياسي.
والمنتقدون أيضاً لم يروا أنهم ذاتهم كانوا ينتقدون عدم وجود آليات سليمة لإدارة أعمال المؤسسة الفلسطينية والتحذير من الفراغ والفزع من التفرد، وكل هذه العبارات التي لم يقصد منها إلا مجرد الهجوم على المنظمة التي يقرون مع ذلك بأنها وطننا المعنوي. ومن المؤكد أن الكثيرين ممن ينتقدون أداء المنظمة حريصون أيضاً عليها وما نقدهم إلا رغبتهم في أن يروها بأحسن حال. بدوره، هذا يتطلب فتح حوار عميق وهادف مع كل النخب ومكونات المجتمع الفلسطيني في الداخل والخارج من أجل تطوير أفضل الأفكار لإعادة الاعتبار للعمل المؤسساتي ضمن أطر منظمة التحرير، وهذا يجب أن يشمل الجاليات أيضاً خاصة أن المجلس المركزي شهد تمثيلا لافتا للجاليات في الأميركيتين وبعض دول أوروبا. يجب البناء على ذلك من أجل تعزيز مكانة المنظمة بين تجمعات شعبنا. يجب تصفير الأزمات ومواصلة العمل على خلق وبناء شراكات مع مكونات المجتمع الفلسطيني في كافة أماكن التواجد الفلسطيني والاستفادة من كل ما يقال حول سبل تطوير المنظمة استناداً أن هذا وطن الفلسطينيين المعنوي ومن حق الجميع أن يغاروا عليه، أقصد الافتراض الإيجابي والتعامل معه بإيجابية.
يظل السؤال حول مستقبل المنظمة والدورة القادمة للمجلس. أقر المجلس وجوب العمل على التحضير لجلسة قادمة للمجلس الوطني بتكوين مختلف. اقترح فتح حوار جاد من اليوم مع فصائل منظمة التحرير خاصة الجبهتين الشعبية والديمقراطية. ليستمر الحوار لعام وعدم الانتظار الأسبوع الأخير قبل الدورة، أقول، لعام من الحوار الجاد والذي يمكن أن يوصلنا لنتيجة نشهد فيها انعقاد مجلس وطني جامع تحقيقاً لشعار الدورة الحالية «وحدة وطنية جامعة». بالتوازي مع ذلك فإن العمل على تجسير الهوة مع فصائل الإسلام السياسي أقصد «حماس» و»الجهاد» يجب ألا يتوقف، ولكن أيضاً على قاعدة أنهما فعلاً ترغبان بدخول المنظمة. للأسف الإحساس الوحيد الذي يمكن للمرء أن يأخذه من «حماس» أنها تفضل الحوار والنقاش دون التوصل لنتيجة. يمكن التفاهم معهم على أهداف الحوار ولكن أيضاً هذا الحوار يجب أن يكون شاملاً. أظن أن المستقبل الذي ينتظرنا ليس زاهراً خاصة مع استمرار الإبادة وتملص حكومة نتنياهو من كل الحلول الهادفة لوقفها، ولكن علينا على الأقل أن نستمع لبعضنا البعض حتى يسمعنا الجيران.