في غياب تام للإنسانية

تقرير بالصور: أطفال غزّة حياتهم جوع وخوف وحرمان ونهايتهم الحرق والتقطيع

تقرير بالصور: أطفال غزّة حياتهم جوع وخوف وحرمان ونهايتهم الحرق والتقطيع
حجم الخط

غزّة - خاص وكالة خبر - مارلين أبو عون

تراهم في الشوارع يركضون يمنة ويسرة جماعات وفرادى، إما حفاة وإما يلبسون ثياباً رثة وأحذية مقطعة لا تناسب حجم أرجلهم الصغيرة، يركضون ليس للعب ولا للفرح بل يركضون إما من صاروخ قريب أو بعيد أدخل الرعب والخوف إلى قلوبهم، وإما ليلحقوا بأخذ مكان لهم في طابور طويل لتكية الطعام أو لتعبئة مياه الشرب، والبعض الآخر منهم يركضون ينادون على المارة لجلبهم وشراء ما يبيعونه من سلع متنوعة ليُعيلوا أسرهم وأخوتهم بعد أنّ حرمتهم الحرب اللعينة من ممارسة طفولتهم ويعيشونها في بلد أصبح خراباً وأثراً بعد عين.

أطفال غزة يُمارس عليهم كل أنواع الضغط والعنف والقتل والتجويع والأمراض في زمن كثرت فيه المؤسسات الدولية التي تُنادي بحقوق الطفولة وتُنادي باسمهم، أطفال غزة الذين يُحرقون ويُقطعون ويموتون على مرأى ومسمع العالم أجمع، هذا العالم الأصم الأعرج الذي فشل في أنّ يحميهم أو يرفع عنهم الموت منذ ما يقارب العام والثمانية أشهر، فاكتفى بدور المتفرج من بعيد وإنّ نطق فلن يكون بمقدوره سوى صياغة بيان ضعيف لا يتعدى الشجب والاستنكار فقط.

أطفال يموتون بجوار أهلهم وذويهم فيدفنون تحت بيوتهم بفعل صاروخ همجي لا يفرق بين مدني وعسكري أو متناثر الأشلاء هنا وهناك بفعل صاروخ آخر رماه بعضاً من الأمتار عن مكانه فقتله.

طابور التكية من الأساسيات اليومية

63b29741-7d63-48c2-9d26-80f166af5855.jfif
 

مصطفى ابن التسعة أعوام، والذي لم يعي بعد ماذا تعني كلمة طابور وكيف يأخذ دوراً بين زملائه كالمدرسة تماماً فهو انقطع عن التعليم وهو بالصف الأول الأساسي ولايتذكر ما هو شكل الطابور المدرسي، فجاءت الحرب وعلمته ماذا يعني طابور ولكن من منظور الحرب البشعة التي فرضته عليهم، فأصبح ضليعاً في أخذ دور في هذا الطابور والوقوف في الأماكن الأولى منه لتعبئة الإناء الذي أصبح يُلازمه كل يوم بدلاً من الحقيبة المدرسية، يقول بعد أنّ رفض ارلتقاط صورة له وهو يقف في الطابور خجلاً وخوفاً من عالم ظالم لم يرحم طفولته لحظة : "كل يوم الصبح بطلع بدري من الخيمة مشان ألحق طابور التكية قبل ما يصير زحمة، بطلع بدري مشان ألحق الي دور في الصف الأول، لأني لو طلعت متأخر راح أرجع لأمي بطنجرة فاضية فش فيها طبيخ".

وبسؤاله عن تفاصيل يومه بعد طابور التكية الذي أصبح مُلازماً له سبعة مرات في الأسبوع، أجاب: "أهم اشي إني أجيب لأمي وأخواتي أكل الغذاء عدس فاصوليا رز معكرونة كله نعمة وخير، بطلع أدور على حطب في الأراضي القريبة وبلمهم مشان نقدر نسخن مية نتحمم، وطبعا الطابور الثاني الي بستناه كل يومين هو طابور المية، الدور عليه طويل وصعب ومرات كتير بروح من غير ما أعبي فيهم نقطة مية وحدة  غير إني بروح ماكل قتلة مرتبة (وهنا يضحك بشي من الخجل) والحمد لله باقي اليوم بشوف طلبات امي وحواليها تنظيف وترتيب وبروح طبعا مع ابوي أستلم المساعدات الي بتطلعلنا من هنا أو هناك".

اقرأ أيضاً: في غزة.. أطفال غزّة حُرموا من طفولتهم ليضحى مصيرهم مجهولاً

مصطفى لا يمثل نفسه وليس مثالاً واحداً بل هو يمثل السواد الأعظم من أطفال القطاع ومثالاً لأطفال لم يتعدى عمرهم الفعلي الخمسة عشر عاماً ولكِن هموم الحياة وجبروتها أضافت أعماراً فوق عمرهم وجعلتهم كباراً راشدين في ثياب أطفال صغار.

سوء التغذية الحاد يتهدد أجسادهم الصغيرة

وبحسب منظمة اليونيسيف، فإنَّ الأطفال في غزّة يعيشون رعبًا لا يُصدق فيما تبقيهم الهجمات المتجددة في دوامة من العنف والجوع والنزوح والفقد.

وفي بيانها اليومي ذكرت وزارة الصحة الفلسطينية أنَّ أكثر من 52 طفلاً توفوا نتيجة سوء التغذية  و17 طفلاً نتيجة البرد القارس، وعلى مدار أيام الحصار الطويلة ناشدت المؤسسات الدولية للضغط على الاحتلال لفتح المعابر وإدخال الطعام والمياه والأدوية اللازمة.

"أم ياسر الزعنون" وهي أم لثلاثة أطفال أيتام تُوفي زوجها قبل الحرب بثلاثة أشهر، وترك لها أطفالاً صغار أكبرهم يبلغ من العمر عشرة أعوام وأصغرهم طفلة لا تتجاوز الخمسة أعوام دون مُعيل أو مستقبل لتأتي الحرب وتقضي على أحلام الأم المسكينة التي تمنت أنّ تُربي أطفالها في بيئة سوية غير محرومين من الغذاء والحياة، فتقول لمراسلة وكالة "خبر": "لا أدري ماذا أقول أو كيف أصف الحال الذي وصل إليه أولادي، لا حياة تُذكر في غزة، الحرب دمرت كل شيء ومستقبل الأطفال أصبح مجهولاً وقاتماً، عندي ثلاثة أولاد أيتام أكبرهم ابني البكر ذو العشرة أعوام إنّ جلستي معه تشعري بأنَّ عمره تعدى الخمسين عاماً، حمل الهم والمسؤولية منذ أنّ تُوفي والدهم ومما زاد الطين بلة إغلاق المعابر ونقص الأغذية والأدوية فأصبحنا نشتهي الطعام والماء النظيف، فأحياناً لا أدري ماذا أقول لأطفالي حين يطلبون مني صنفاً من الطعام ولا أستطيع أنّ أحضره لهم فنزلت أوزانهم عشرات الكيلوات وأصبحت أجسادهم نحيلة ضعيفة ولا تقوى على الحياة".

وتُضيف: "ابنتي ريماس ذات الخمسة أعوام يبلغ وزنها خمسة عشر كيلو جراماً فقط وتُعاني من روماتيزم في العظام، عرضتها في مؤسسة أرض الإنسان التي تعتني بمثل حالتها وأخبرني الطبيب أنَّ حالتها ستدهور أكثر وأكثر إذا بقي الوضع كما هو، فهي تحتاج لغذاء وبروتين ولحوم وأسماك، بالإضافة للأغذية الصحية وكل ما تم ذكره غير موجود في ظل الحصار وحتى إنّ وجد بعضها فستكون باهظة الثمن وأنا لن أستطيع شرائها، ولا يملك الأطباء أو المختصين سوى أنّ يقدموا لنا مكمل غذائي أو بسكويت عالي الطاقة".

وختمت الأم حديثها قائلةً: "أناشد جميع الضمائر الحية وأصحاب القرار أنّ يرحموا أطفالي وأطفال القطاع ويُساهمون في الضغط على الاحتلال لفتح المعابر وإدخال السلع والطعام، لأننا نفقد أطفالنا كل يوم وقلوبنا تتقطع عليهم وهم يطلبون منا الطعام ولا نجد ما نُطعمهم إياه".

سوء تغذية.jfif
الطفل "أسامة الرقب" 

يُعاني أسامة من سوء تغذية حاد وهو مهدد بالموت في أيّ لحظة، حيث قالت وزارة الصحة: "إنَّ أطفال قطاع غزة في أشد مراحل سوء التغذية، في ظل صعوبة مُتابعتهم طبياً بسبب نقص الأدوية العلاجية وحليب الأطفال".

وعلى لسان مدير مستشفى التحرير في مجمع ناصر الطبي بجنوب قطاع غزّة، أوضخ أنَّ الطفل أسامة الرقب، يُلخص ما يعانيه أطفال غزّة جراء عدم توفر مصادر التغذية السليمة ومياه الشرب، لافتاً إلى أنَّ قطاع غزة يمر في المرحلة الخامسة من مراحل سوء التغذية وهي المرحلة الأشد وفق منظمة الصحة العالمية.

وبيّن أنَّ انعدام التغذية المناسبة والأدوية للأمهات الحوامل ينعكس بشكل خطير على المواليد خاصة الأطفال الخدج، مُشيراً إلى أنَّ استمرار منع الإمدادات الغذائية والدوائية يُوضح أنَّ أطفال قطاع غزّة أمام مشهد خطير وكارثي.

مبتور.jfifالطفل أحمد الغلبان

يجلس أحمد بعينين غائرتين وجسد نحيل يوشك على الانهيار تحت وطأة الألم الجسدي والنفسي، على أحد أسِرة مستشفى الإندونيسي شمال القطاع.

كيف لا وهو لا يزال يعيش كابوسًا مريرًا، صوته الخافت يحمل قصة مأساة أكبر من أن تحتويها الكلمات في حربٍ إبادة لا ترحم، فقد أحمد ساقيه، لكنه فقد أيضًا جزءًا كبيرًا من روحه حين فُجعت نفسه بفقدان شقيقه التوأم، محمد، الذي كان معه في تلك اللحظات القاسية.

يُذكر أنّه خلال شهر مارس الماضي تعرضت منطقة الشيماء في بيت لاهيا شمال القطاع  لسلسلة من هجمات الاحتلال على منطقة سكن عائلة الغلبان، حيث كان أحمد وشقيقه في طريقهما لمأوى أكثر أمناً بعد إخلاء منزلهما عقب تصنيف منطقتهم كمنطقة حمراء من قبل الاحتلال.

يقول أحمد: "في تلك اللحظة، كنتُ أمسك يد أخي الذي لم يفارقني على الدوام، وكنا على متن عربة يجرها حصان ونحن نسير نحو منطقة أكثر أمانًا بعد القصف، حيث كنا نحمل بعض الأمتعة من المنزل".

ويُتابع: "أصبحنا في لحظة من العدم ضمن أهداف الاحتلال، حيث تفاجأت حين استيقاظي في المستشفى عقب غيابي عن الوعي ببتر ساقاي وبفقدان أخي وكذلك خالي وما عرفته حينها أنّ حياتي ستتغير إلى الأبد".

ما تركته الغارة لم يكن مجرد دماراً مادياً، بل فقدًا قاسيًا لأجزاء من جسده وأرواح أخرى، حيث تُشابه قصة أحمد ومحمد، وإنّ اختلف أفرادها، أكثر من 16 ألف طفل قضوا شهداء و نحو ألف طفل بُترت أطرافهم في حرب إبادة جماعية لا تزال حلقاتها مستمرة مع كل يوم تطول فيه هذه الحرب.

ووفق وزارة الصحة الفلسطينية فإنَّ نحو ألف طفل بترت أطرافهم خلال حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.

جثتهم متفحمة ومحروقة 

7b59df54-5668-4646-a7a2-1a190562c0c6.jfif
ولعل كل شيء يهون عن القتل والموت في ظل حرب همجية دفع الأطفال فيها فاتورة صعبة وكبيرة، فهم يتعرضون يومياً للقصف مع ذويهم فينتهي بهم الحال إما جثت محترقة ومتفحمة أو شهداء تحت الأنقاض لا يستطيع أحد إخراجهم  من ظلمة وقسوة الحجارة والإسمنت الذي إنهال على أجسادهم الصغيرة فتسبب بقتلهم.

وكم من الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام العربية والدولية وهي تعرض مشاهد لأطفال شهداء قطعتهم آلة الحرب التي لم ترحمهم وأمعنت في قتلهم بلا هوادة.

ولم يقتصر الأمر على قصف المنازل على رؤوس ساكنيها بل امتدت يد الغدر لقصف مراكز الإيواء والمدارس التي تعج بأعداد كبيرة من الناس غالبيتهم من الأطفال فقصفتها وهم نيام يبحثون عن شيء من الأمان، فتركتهم طائرات الاحتلال بين شهيد وجريح ومعاق ولعل ما حدث في مدرسة يافا في حي التفاح والتي ارتقى فيها أكثر من عشرة شهداء جميعهم تقريباً من الأطفال شاهداً على سلسلة جرائم لا تنتهي.

تقرير بالصور: أطفال غزّة حياتهم جوع وخوف وحرمان ونهايتهم الحرق والتقطيع
تقرير بالصور: أطفال غزّة حياتهم جوع وخوف وحرمان ونهايتهم الحرق والتقطيع
تقرير بالصور: أطفال غزّة حياتهم جوع وخوف وحرمان ونهايتهم الحرق والتقطيع
تقرير بالصور: أطفال غزّة حياتهم جوع وخوف وحرمان ونهايتهم الحرق والتقطيع
تقرير بالصور: أطفال غزّة حياتهم جوع وخوف وحرمان ونهايتهم الحرق والتقطيع
تقرير بالصور: أطفال غزّة حياتهم جوع وخوف وحرمان ونهايتهم الحرق والتقطيع
تقرير بالصور: أطفال غزّة حياتهم جوع وخوف وحرمان ونهايتهم الحرق والتقطيع
تقرير بالصور: أطفال غزّة حياتهم جوع وخوف وحرمان ونهايتهم الحرق والتقطيع
تقرير بالصور: أطفال غزّة حياتهم جوع وخوف وحرمان ونهايتهم الحرق والتقطيع