«التحريض الفلسطيني». أسأل أحياناً ماذا كنا سنفعل بدون هاتين الكلمتين؟. أو بدون تعبيرات مثل «دعم الارهاب» و»ديمقراطية تدافع عن نفسها» و»ماذا كنتم أنتم ستفعلون؟». في كانون الثاني قتلت دفنه مئير في مدخل بيتها في عتنئيل. ركزت اغلبية وسائل الاعلام الاسرائيلية على أن الشاب الفلسطيني الذي قتلها تأثر من التحريض الذي يبث في التلفاز الفلسطيني. قال رئيس الحكومة نتنياهو عندما وصل الى المكان إن «التحريض الفلسطيني هو الذي يتسبب بالارهاب». وفي نفس الشهر قتلت في حانوت في بيت حورون شلوميت كرغمان. وزير الدفاع موشيه يعلون قال إن مسببي القتل مثل اولئك الذين يزيدون من موجة العنف الحالية هم «التحريض الصعب والاكاذيب الفظة التي يتعرض لها الشبان الفلسطينيون في الشبكات الاجتماعية ووسائل الاعلام وجهاز التعليم». يفسر اعضاء القيادة الاسرائيلية بتفاصيل مشابهة موجة العمليات في باب العمود ومشاركة الفلسطينيين من شرقي القدس في هذه العمليات. وردا على عملية من عمليات الطعن في الأشهر الأخيرة قال الوزير اوري اريئيل «العملية هي نتيجة للتحريض الفلسطيني المتواصل». ايضا عضو الكنيست د. عنات باركو، المختصة بشؤون الإرهاب، وجدت سبباً مشابهاً للعمليات في منطقة القدس. فقد أشارت الى أن التحريض في جهاز التعليم الفلسطيني هو الذي يدفع الشبان الى العمليات. «توجد لي معلومات داخلية حول التحريض في المدارس، في شبكات التعليم في سخنين وفي شرقي القدس... التي خرج منها مؤخراً اربعة شبان ارهابيين»، قالت باركو. هذا الارتباط الشرطي البافلوفي الذي يدفع شخصيات عامة الى اظهار «التحريض الفلسطيني» بعد كل عملية، مقلق جدا. لا يمكن الإنكار: في الضفة الغربية وقطاع غزة تُسمع اصوات تنادي باستخدام العنف، لكن يجب وضع الامور في سياقها الصحيح: هذه أصوات هامشية. والضجة الاساسية هي الواقع نفسه حيث توجد دولة واحدة فقط بين البحر والنهر، اسرائيل، وجيش واحد فقط، الجيش الاسرائيلي، وشعب واحد فقط يحظى بالاستقلال، وقانون عودة واحد فقط، وأمل واحد فقط واحتلال واحد سيمر عليه بعد قليل خمسون سنة. حاولوا للحظة تخيل عالم بدون «التحريض الفلسطيني». حاولوا تخيل أن من نفذ العملية في عتنئيل، مراد ادعيس (16 سنة) من قرية بيت أمر في جنوب الضفة، لم يشاهد التلفاز في الايام التي سبقت القتل. ما هي النتائج التي كان سيتوصل اليها؟ ما الذي يراه من نافذة بيته؟ أي من الاسرائيليين كان سيلتقي؟ ألم يكونوا اولئك الجنود على الحاجز أو المستوطنين الذين يتجولون مع السلاح والذين قامت مستوطناتهم على الأراضي الفلسطينية؟ تخيلوا أن الفلسطيني الذي قتل شولاميت كرغمان، ابراهيم علان (23 سنة) من مخيم قلنديا للاجئين لا يتصفح الفيس بوك؟ ما هي الاستنتاجات السياسية التي كانت ستخطر بباله؟. هل كان علان فعلا بحاجة الى حساب في التويتر لمعرفة أن حياته في القمامة وأن مشكلة اللاجئين ما زالت قائمة وتتنفس؟ هل كان بحاجة الى أحد «ليغسل له دماغه» فيما يتعلق بالاحتلال؟ إنه يعيش بالقرب من حاجز قلنديا الذي تحول الى رمز السيطرة الإسرائيلية على حياة الفلسطينيين. أقوال مشابهة يمكن قولها عن الفلسطينيين في القدس الشرقية. هل التحريض في المدرسة هو الذي أدى الى اليأس لديهم؟ ألا تكفي المنازل التي تهدم يومياً؟ ألف صف تعليمي ناقص في شرقي القدس؟ دعوة متخذي القرارات الاسرائيليين لتغيير الوضع الراهن في الحرم؟ الجدار الذي يفصل بين الاحياء العربية الفلسطينية في القدس والاحياء العربية الفلسطينية في نفس المدينة؟ يبدو أن الكلمات «التحريض الفلسطيني» تحولت الى مسكن آخر للأوجاع وإسرائيل أدمنت عليه. مثل «الحاجة الى زيادة الدعاية» فان «التحريض الفلسطيني» يحرفنا باتجاه الأمور الهامشية. وقد يؤدي الى استنتاج مخطوء هو أن الأم الفلسطينية التي فقدت ابنتها أقل حزنا من الأم اليهودية التي فقدت ابنتها. هذا يجعلنا نركز على «التحريض الفلسطيني» وليس على حياة الفلسطينيين نفسها: غياب الدولة الفلسطينية، الاحتلال العسكري، ملايين اللاجئين الذين مشكلتهم هي مشكلتنا، الفقر وعدم وجود الأمل، الحواجز، الجدران واليأس. ماذا كنا سنفعل بدون التحريض الفلسطيني؟ من يعرف، ربما كنا سنتجرأ على ما يبدو على النظر الى الداخل.