للمرة الثانية خلال عامين وعلى وقع حرب الابادة المستمرة والعدوان الوحشي الذي يتعرض له شعبنا في قطاع غزة، يحيي شعبنا الفلسطيني ذكرى النكبة الكبرى في الخامس عشر من أيار التي حلت بشعبنا الفلسطيني عام 1948، ومنذ 77 عاماً دأب شعبنا الفلسطيني على احياء هذه الذكرى المؤلمة التي ما زال يعيش تداعياتها حتى يومنا هذا كونها شكلت النقطة الاساس لتشريد شعبنا من وطنه ومثلت قاعدة الانطلاق لاستكمال العدوان المتجدد على شعبنا بهدف اقتلاعه وتهجيره كلياً، وهو ما عجزت عن تحقيقه كاملاً الحركة الصهيونية منذ عام 1948، وهي اليوم تواصله بأكثر الاشكال وحشية وعنفاً بغية تهجير شعبنا في حملة تطهير عرقي واسعة تنفذها دولة الاحتلال ليس فقط في قطاع غزة بل وفي الضفة الغربية ايضاً حيث تتركز هذه الحملات على مخيمات الضفة كما في كل قطاع غزة.
في تلك الأيام قبل ما يزيد عن ٧٧ عاماً تمكنت العصابات الصهيونية بمساندة من بريطانيا والدول الإمبريالية الصاعدة آنذاك ليس فقط من سرقة "أرض بلا شعب" كما كانوا يدعون"، بل سلبوا دولة كانت قائمة بمؤسساتها المختلفة على الأرض وشردوا شعبها الذي كان يعيش بأمن وسلام ويسعى لاستقلاله أسوة بالشعوب المجاورة.
اليوم ونحن نحيي ذكرى النكبة، علينا ان نزرع في أذهان الأجيال التي لم تعش النكبة وويلاتها الحقيقة التي يجب أن تترسخ دوماً وهو ما تناولته مراكز الأبحاث والدراسات التي تناولت قضية النكبة وما تناولته من ابحاث علمية وتاريخية موثوقة أن العصابات الصهيونية قامت بدعم كامل من بريطانيا بسرقة وطن وطرد أصحابه في أوسع عملية تطهير عرقي منذ الحرب العالمية الثانية، فقد قامت العصابات هذه بسرقة دولة الشعب الفلسطيني التي كانت قائمة بالفعل وتخضع حينه للانتداب البريطاني الذي خالف نص صك الانتداب الذي نص بضرورة مساعدة الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره لكن بريطانيا بدلاً من مساعدة الشعب الفلسطيني حرمته من حقه في الاستقلال أسوة بشعوب البلدان المجاورة التي كانت خاضعة لانتداب مماثل آنذاك، ولم يقتصر دور بريطانيا على التآمر والتواطؤ فحسب بل تعاونت مع الحركة الصهيونية عملا بوعد وزير خارجيتها اللورد بلفور المشؤوم على فرض كل عوامل النجاح لتنفيذ الوعد المشؤوم، بدءا من توفير السلاح والعتاد وإقامة عشرات معسكرات التدريب للمجندين اليهود وتسهيل الهجرة واستيعاب عشرات الألوف من اليهود في العالم وإسكانهم في فلسطين، وفي ذات الوقت مارست كل أشكال البطش والظلم الوحشي ضد أصحاب الأرض الحقيقيين وحرمتهم من كل وسيلة للدفاع عن حقوقهم في مواجهة الخطر الداهم الذي كان يتصاعد أمام ناظريهم، فقاوموه بشجاعة نادرة في محاولة لمنع الحركة الصهيونية من تحقيق أهدافها التي تمكنت بكل اسف من النجاح في تحقيق مشروعها باغتصاب وطن وتهجير اصحابه الذين غدو لاجئين بفعل نكبة ما زالت آثارها مستمرة حتى اليوم ويحاول الاحتلال استكمالها لتنفيذ مخطط تهجير واسع لمن تبقى من أبناءه في وطنه.
اليوم، ونحن نحيي ذكرى النكبة نجدد القول إن فلسطين لم تكن أرضا بلا شعب كما يدعون فقد كانت بلاداً عامرة ضمت حتى العام 1945 ألف وثلاثمئة تجمع بين قرية ومدينة وبلدة يتجاوز عدد سكان معظمها الآلاف بينما لم يكن للصهاينة حتى ذلك الحين إلا بضعة مستعمرات متناثرة يسكنها مئات نجحوا بإقامتها بالتواطؤ والتزوير البريطاني الذي سمح بوصل آلاف اليهود من شتى أصقاع الأرض وشكل هؤلاء برعاية الجيش البريطاني وتدريباته عصابات الارغون وشتيرن والهاغانا التي قامت بشن حرب وحشية وحملات إبادة وتطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني إلى أن تمكنت في منتصف أيار عام 1948 من سرقة الوطن وهو ما نسميه بحق (النكبة الكبرى)، في هذه النكبة المأساة التي نعيش ذكراها هذه الأيام سرقوا الوطن الذي كان قائماً بمؤسساته وطردوا شعباً كان يسعى للاستقلال .
في معرض الحديث عن النكبة والوطن الذي سرق لا بد من التأكيد مرة تلو الاخرى بأن فلسطين لم تكن خالية من السكان كما يزعم الصهاينة بل كانت دولة قائمة تخضع لانتداب بغيض لعب دورا تآمريا في حرمان شعبها من الاستقلال، وتشير مختلف الدراسات والأبحاث خاصة تلك التي أجراها الباحث الدكتور سلمان أبو ستة وتناولت أوضاع فلسطين قبل النكبة، واكدت أن الصهاينة أقاموا دولتهم العنصرية على مؤسسات دولة قائمة حيث كان في فلسطين إبان الانتداب 1700 منشأة حكومية من نواد ومبان ومؤسسات للصناعة وغيرها، كما كانت فلسطين من أكثر الدول المجاورة تقدماً في المجالات التجارية والصناعية والزراعية فقد ضمت 500 مؤسسة عاملة في مجالات متعددة ، وتميزت فلسطين بموقعها الجغرافي المميز الذي كان يربط البلدان المجاورة بشبكة من السكك الحديدية وفيها41 محطة للقطار و700 كيلو متر من السكك الحديدية، إضافة إلى 31 مطاراً موقعياً، و 6000 كيلو متراً من الطرقات المعبدة و37 معسكراً للجيش البريطاني وقد سلمت بعمظمها ومعداتها للصهاينة الغزاة الذين استخدموها في حربهم لإبادة شعبنا وتهجيره عن وطنه.
في تلك النكبة المستمرة أيضا استولت إسرائيل في حينه على 2000 معلم تاريخي من المساجد والمقابر والأديرة والكهوف ومراكز الآثار، كما وكانت فلسطين غنية أيضا بمصادر المياه وعذوبتها وفيها آنذاك 3650 مصدراً للمياه، ومن أجل السيطرة على كل هذا استخدمت العصابات الصهيونية كل وسائل الإبادة من قتل وتدمير واغتصاب وحرق الناس وهم أحياء كما حدث مع أهالي طيرة حيفا وغيرها، ويوماً بعد يوم يتم الكشف عن هذه المجازر كما حدث في كشف مجزرة الطنطورة العام الماضي، وقد أثبتت ذلك الدراسات التي صدرت مؤخراً بما فيها تلك التي صدرت عن بعض الكتاب والباحثين الإسرائيليين إلى أن 90% من القرى الفلسطينية نزح سكانها الذين مثل عددهم آنذاك 52% تحت وطأة التعرض لمجازر عسكرية منظمة جرت أثناء وجود الانتداب البريطاني وتحت حمايته، ومع حلول شهر أيار عام 1948 والإعلان رسمياً عن قيام دولة الاحتلال تم طرد النسبة المتبقية التي تمثل 42% من السكان وقد استكملت عملية طرد العدد المتبقي الذي يمثل 6% بعد انفاقات الهدنة التي وقعت مع الدول العربية التي شكلت جيش الانقاذ الذي لم ينقذ شيء فقد ضاعت فلسطين تحت نظره .
كما تبين تلك الدراسات أيضا أن العصابات الضهيونية ارتكبت في حربها ضد شعبنا أبشع المجازر التي عرفتها الإنسانية حيث دمرت أكثر من 700 قرية ومحله مسحتها بالكامل عن الأرض ونفذت ما بين عامي 1947و1949 فقط247 حادثة قتل وأباده منها 141 مذبحة تعتبر 70 منها في إطار المذابح الكبرى و71 في إطار المتوسطة، كل ذلك يبين ان العصابات الصهيونية تمكنت بممارساتها الارهابية عام 1948 تمكنت من إتمام حلقات فصول مؤامراتها القاضيه باحتلال كل فلسطين وطرد أهلها الذين تحولوا إلى لاجئين فاق عددهم هذه الأيام سبعة ملايين لاجئ تناثروا في اتجاهات متعددة إلى كل من لبنان والأردن وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة والى العديد من دول العالم الأخرى، وكما تلاحظون اليوم يواصل الاحتلال حربه على شعبنا مستخدماً اكثر الوسائل عنفاً لتحقيق ما لم يتمكن من تحقيقه كاملاً عام 1948 والمتمثل بطرد شعبنا كله من ارضه في تجديد حملة تطهير واسعه بهدف اقتلاع شعبنا وتكرار ما فعله قبل ٧٧ عاماً.
في هذه الأيام من شهر أيار وحيث تمر ذكرى هذا الجرح الغائر في الجسد الفلسطيني يقول الشعب الفلسطيني إنه رغم ما اصابه من جراح ونزف متواصل ورغم العدوان وحرب الإبادة والمحرقة والتجويع المستمرة لأكثر من ستة عشر شهرا انه لم ولن يستسلم للوقائع التي تسعى دولة الاحتلال لفرضها ليس فقط كنتاج للنكبة التي حدثت عام 1948 بل في محاولة فرض وقائع جديد للنكبة الثانية التي يخطط لتنفيذها بحق شعبنا تحت وقع الدم والدمار الذي تنفذه دولة الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية وما تزال.
ونحن نتحدث هذه الأيام عن النكبة نقول ان فصول المؤامرة ما زالت مستمرة لتصفية قضية الشعب الفلسطيني وتهجيره والعودة به الى مجموعات سكانية متناثرة تفتقر للتمثيل السياسي الموحد ولذلك فإن خيوط المؤامرات ما زالت تتشابك عبر العدوان الوحشي المتواصل ومحاولات استهداف وحدة الشعب ووحدة تمثيله الموحد المعبر عنه بمنظمة التحريرالفلسطينية ويتكئ اصحاب المؤامرة بكل اسف على حالة الانقسام القائمة لتنفيذ مشروعهم، هذه الحالة التي غدت خطرا على شعبنا الفلسطيني تستوجب المعالجة دون مماطلة او تردد.
وفي ذكرى النكبة لا بد من الاشارة أيضاً الى تركيز الجهود المعادية على محاولة تصفية قضية اللاجئين عبر محاولات تتجدد هذه الآونة عبر محاولة إلغاء دور الاونروا ونلاحظ أن الكنيست الإسرائيلي سن العديد من القوانين التي استهدفت الأونروا ومنعها من القيام بأعمالها في الأراضي الفلسطينية كما استهدف العدوان موظفيها ومقراتها ومراكز عملها، هذا إلى جانب ما رشح خلال السنوات الأخيرة من خطط الدمج التي تدعو لثلاث خيارات تتمثل في نقل المسؤولية عن ملف اللاجئين الفلسطينيين الى المفوضية العليا للاجئين، او وضعها تحت اشراف البنك الدولي او نقلها لمسؤولية الدول المضيفة والسعي لشراكة مع مؤسسات أممية اخرى، ان استهداف المخيمات كشاهد حي على النكبة اضافة محاولات تصفية الأونروا كشاهد أممي على النكبة التي حلت باللاجئين الفلسطينيين وهي التي أنشئت بموجب القرار 302 عام 1949 كتجسيد لمسؤولية المجتمع الدولي تجاه قضية اللاجئين تتطلب مزيدٍ من اليقظة والحذر في التعامل مع هذا الملف والتعاون مع الامم المتحدة والدول المظيفة ومجتمع اللاجئين لإحباط ذلك والحرص على بقاء الأونروا وفق التفويض الممنوح لها بموجب القرار 302 .
في ذكرى النكبة التي نعيش وقائعها المتجدد كل لحظة خاصة في قطاع غزة يدرك كل ذي بصر وبصيرة أن المخططات التصفوية لقضية شعبنا متصاعدة بوتيرة عاليه تجاه مختلف الملفات الامر الذي يتطلب دون تردد الإسراع في اعتماد اولويات وطنية عاجلة تتمثل:
أولاً، في وقف العدوان وحرب الابادة التي يتعرض لها شعبنا.
ثانياً، افشال كل مخططات الاقتلاع والتهجير التي تخطط له دولةالاحتلال.
ثالثاً، العمل على تنفيذ خطة الاعمال الفلسطينية المصرية التي غدت خطة عربية اعتمدتها القمة العربية الطارئة في القاهرة
رابعاً، العمل فوراً على تنفيذ قرارات المجلس المركزي الأخير وإطلاق حوار وطني جامع وفق الأسس التي حددها المجلس وصولاً لاعتماد استراتيجية فلسطينية شاملة تصون الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا الفلسطيني وتحسن من استثمار حملات الـتأييد والتضامن الدولي المتنامي مع شعبنا وعدالة قضيته.
في ذكرى النكبة المؤلمة التي تتجدد فصولها بما هو اكثر إيلاماً نقول مرة ومرات إن مواجهة هذه المخططات التصفوية المتسارعة يتطلب رؤية الخطر وحقيقته بموضوعية بعيداً عن أي مكابرة وضرورة السعي بجدية لإغلاق اي ثغرة يمكن ان تشكل مدخلاً لتنفيذ المؤامرة، مؤامرة الاقتلاع والتهجير انطلاقاً من ان بقاء الناس فوق ارضها هو الضمان الحقيقي لبقاء الوطن وعودته حراً لأهله، بهذا فقط يمكننا أن نصمد في مواجهة المخاطر وإفشال المؤامرات وبغير ذلك فإن مفاعيل النكبة ستتواصل ومخاطرها ستكون اكثر خطورة على أجيال ربما تجرفها مخططات الاقتلاع والتهجيرإذا لم نحسن الفعل.