قبل أيام اغتالت (إسرائيل)، بدم بارد وبعملية جبانة، الأسير المحرر عمر النايف، في عملية إرهابية بكل معنى الكلمة، لكن المشكلة أن هذه الجريمة نفّذت داخل حرم السفارة الفلسطينية في العاصمة البلغارية صوفيا، وبالسلاح الأبيض، بمعنى أن السلطة الفلسطينية والسفارة (والحكومة البلغارية طبعا) يتحملون المسؤولية عن ذلك، كونهم لم يؤمّنوا الحماية اللازمة للشهيد عمر، الذي كان لجأ إلى السفارة بسبب ملاحقته من السلطات ال(إسرائيل)ية وطلبها من السلطات البلغارية اعتقاله وتسليمه لها. والسؤال ماذا فعلت السلطة من أجل حمايته؟ وهل قامت بالتدخل لدى السلطات البلغارية لوقف ملاحقته؟ ثم أين كان حرس السفارة؟
أيضا، وقبل أسبوع، كانت رام الله، حيث مقر قيادة المنظمة والسلطة والفصائل، شهدت مظاهرات عارمة للمعلمين الفلسطينيين، لأغراض مطلبية، لكن الرد عليها جاء سلبيا وزجريا من الأجهزة الأمنية والسلطة، وبما لا يليق بسلطة حركة تحرر، أو سلطة شعب يعاني الاحتلال، إذ اتسم الرد باستنكار التحرك وإنكار المطالب وتحريض الطلاب على معلميهم.
في الواقع فإن هذين الحدثين هما من تجليات تردي حال الفلسطينيين، وتدهور حركتهم الوطنية، التي تتمظهر بجمود نظامهم السياسي، وتآكل شرعيته، وافتقاده القدرة على التجدد والتطور، وهذا يتعلق بالمنظمة والسلطة والفصائل، كما يشمل ذلك انقسام النظام السياسي بين سلطتي الضفة وغزة، والتصارع بين الحركتين الكبيرتين “فتح” و”حماس”، وضعف الفصائل اليسارية وتشتت بناها. وبديهي أن هذا يتضمن أيضا، إخفاق الخيارات الكفاحية من الثورة إلى التسوية، ومن الكفاح المسلح إلى المفاوضة، والفجوة بين الفلسطينيين في كافة تجمعاتهم، وكياناتهم السياسية، ناهيك عن الافتراق بين فلسطينيي الخارج، أي اللاجئين، وفلسطينيي الداخل، الموزعين بدورهم بين الضفة وغزة ومناطق 1948.
مثلا، وفي التفاصيل لدينا كفلسطينيين أقدم زعيمين في العالم، نايف حواتمة، وأحمد جبريل التابع للنظام السوري، منذ تم إيجاد الجبهة الشعبية القيادة العامة، مع أن اسم جبهة أبوالنوف هو الجبهة الديمقراطية /اليسارية أي ليس لها من اسمها نصيب، وهذا ينطبق على كل التسميات. وفوق ذلك فنحن إزاء أقدم طبقة سياسية في العالم، هي في الثمانينات من عمرها، ولها في القيادة نصف قرن، مع أنه لم يعد لديها شيء تضيفه لا لجهة الأفكار ولا التجربة ولا أي شيء. فوق ذلك لدينا فصائل عمرها نصف قرن، وهي مازالت تحتفل بأعياد انطلاقاتها رغم تآكل مكانتها عند شعبها وأفول دورها في مواجهة العدو وفقدانها هويتها، ورغم أن شعبنا يعيش نكبة دائمة، تتجدد في العراق ولبنان وسوريا وغزة والضفة.
أيضا، نحن شعب لا تعتمد فصائله عليه في مواردها لأنها تعتمد في ذلك على الدول ولو كانت استبدادية أو رجعية، جمهورية أو ملكية، ولا يهم فصائله أن يوظف هذا النظام أو ذاك قضيتها حتى لو كان يتاجر بشعبها وينكل به، مثلما حصل مؤخرا مع زيارة وفد الفصائل إلى طهران، رغم كل ما فعلته وتفعله هذه الدولة في المشرق العربي من العراق إلى لبنان مرورا باليمن وسوريا. كما لدينا فصائل غير مستعدة لمراجعة أفكارها وممارساتها وتجاربها، ولا لمناقشة أي شيء مع شعبها، حتى وهي تأخذه ذات اليمين وذات اليسار، ومن معركة إلى أخرى دون دراسة وتبصر، مستغلة استعداده العالي للتضحية، وإيمانه بقضيته وعناده في مواجهة (إسرائيل).
والأهم بين كل ذلك أن حركتنا الوطنية هذه تشبه الأنظمة التسلطية بل إنها باتت بمثابة سلطة تحت الاحتلال في الضفة وفي غزة، شعبها في واد وهي في واد آخر، حركة وطنية لم تدخل في إدراكها أهمية التماهي بين التحرير والحرية، وبين الحرية والعدالة، وبين الحرية والديمقراطية.
ضمن كل ذلك ثمة مفارقة مفادها أن الفلسطينيين هم في الحقيقة شعب ضعيف ومشتت ويفتقد الإمكانيات ويخضع لأنظمة متباينة ومختلفة، لكن فصائلهم أدخلت في إدراكاتهم أنهم شعب قوي وجبار، كما أدخلت في وعيهم أن قضيتهم هي القضية المركزية، كأنه لا توجد قضايا أخرى، وأنه ينبغي أن يتعاطف معنا الجميع دون أن يعني ذلك أن نتعاطف مع قضايا الآخرين، كأن الآخرين لا قضايا لهم.
بالنتيجة فإن هذا التدهور أوصل فصائلنا إلى السكوت وتجاهل قتل الفلسطينيين والسوريين في المعتقلات ومن الجوع وبالبراميل المتفجرة، وعن تشريدهم في أصقاع الدنيا، بل إنها تحابي نظام الأسد، وتتغنى بروسيا بوتين، وتذهب إلى طهران.
عن العرب اللندنية