إسرائيل: زمن الحسم لا الحلول الوسط

image_processing20230404-2769406-moypu3.jpg
حجم الخط

بقلم راسم عبيدات

دولة الاحتلال تقول إن هذا هو زمن الحسم وليس زمن الحلول الوسط مع الشعب الفلسطيني، فالخيار والمشروع المطروح حالياُ في ظل حكومة اليمين والتطرف والاستيطان والتهويد، فقط مشروع وخيار الطرد والتطهير والتهجير، زمن الحلول الوسط انتهى، وأمريكا دولتها العميقة والمحافظون الجدد والتيار واللوبي الصهيوني فيها، يقفون خلف هذا المشروع والمخطط بكل قوتهم، في ظل حالة فلسطينية منقسمة على ذاتها وضعيفة، وفي ظل حالة عربية بائسة ونظام رسمي عربي منهار ومرتجف وفاقد لإرادته وقراره السياسي. 

المستوطنون، "يتغولون" و"يتوحشون" على شعبنا بطريقة غير مسبوقة، حيث الاعتداءات اليومية التي تطال مدن وبلدات وقرى ومخيمات شعبنا الفلسطيني في الضفة الغربية، لا تتوقف على مدار الساعة، عمليات حرق منازل ومركبات ومحاصيل، إطلاق نار وقتل وجرح، وإقامة بؤر استيطانية جديدة، وتكثيف الاستيطان الرعوي والديني للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض الفلسطينية. ولم يكتفوا بذلك، حيث شرع المستوطنون، بإضافة لافتات على اللافتات الموجودة على الشوارع الرئيسية في الضفة يضيفون اليها لافتات تشير الى ما يسمونه بجبل الهيكل "هار هابيت"، المقصود المسجد الأقصى، وما جرى فيما يعرف بمسيرة او رقصة الأعلام في الذكرى الثامنة والخمسين لما يعرف بتوحيد القدس، استكمال احتلال القسم الشرقي من المدينة، وما اعقب ذلك من تقديم عضوي الكنيست دان ايلوز وارئيل كلنر من اقتراح للنقاش  في الكنيست حول حرية العبادة لليهود العلنية في "جبل الهيكل" بشكل كامل، وان يخصص لهم مكان في الأقصى للقيام بذلك، هذا يعني اننا امام منعطف خطير، ليس على صعيد الأقصى، بل شمولية الاستهداف من النقب حتى الجليل فالضفة فالقدس والقطاع وحتى مخيمات اللجوء.. ونحن نعيش حالة من الفراغ والغياب القيادي. 

حكومة اليمين والتطرف لم تكتف فقط، بالرفض لإقامة دولة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين التاريخية، بل "قوننت" ذلك في الكنيست عبر قانون، باعتبار اقامة هذه الدولة خطراً يهدد امن ووجود دولة الاحتلال، ورفضوا وجود شيء اسمه شعب فلسطيني له حقوق وطنية وسياسية وارض يقيم دولته عليها، فالوزير المتطرف سموتريتش يقول" لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطين، وهذا اختراع عمره أقل من مئة عام". 

ولذلك نحن اليوم أمام مخطط اقصاء لوجود الشعب الفلسطيني وكل تمظهراته، ويعمل سموتريتش ليل نهار على ضخ المزيد من المستوطنين الى الضفة الغربية، لكي يصل عدد المستوطنين فيها إلى مليون مستوطن، واقامة المزيد من المستوطنات، وشرعن بؤراً استيطانية قائمة، حيث جرت مؤخراً المصادقة على اقامة وشرعنة 22 مستوطنة وبؤرة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، التي جرى تغيير اسمها الى دولة " يهودا والسامرة".

 سموتريتش في حديث عن حرب الإبادة بحق سكان قطاع غزة، يقول بشكل واضح: لن نوقف الحرب إلا بعد تحقيق أربعة أهداف، ليس فقط في السيطرة الجغرافية على سوريا، بل في بقائها مجزأة ومفككة ودويلات متناحرة، والقضاء على حزب الله، وان تكون ايران بدون برنامج وقدرات نووية، وان يجري "تطهير" قطاع غزة من حماس والمقاومة، وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين خارج حدود قطاع غزة، وفي نفس الإطار والسياق نتنياهو يقول" إننا سنقاتل من رفح جنوباً وحتى قمة جبل الشيخ شمالاً وسننتصر".

 نحن امام عملية "هندسة" جغرافية وديمغرافية، تجري في الضفة الغربية وقطاع غزة وحتى الجليل والنقب والقدس، والهدف هو منع وجود أغلبية فلسطينية ما بين النهر والبحر، ولتحقيق ذلك لا بد من تنفيذ مخططات الطرد والتهجير، حيث نشهد في شمال الضفة الغربية، هجمة واسعة على جنين ومخيمها وقراها وطولكرم ومخيميها نور شمس وطولكرم وبلداتها، فتدمير المنازل والبنى التحتية من شوارع وطرق زراعية وحتى خطوط وشبكات مياه وصرف صحي، وتهجير للسكان من المخيمات على وجه الخصوص، ومنعهم من العودة الى منازلهم، يندرج في سياق مخططات الطرد والتهجير، بداية الطرد والتهجير الداخلي مع هدم أكبر عدد ممكن من المنازل في المخيمات وبالتحديد جنين وطولكرم وصولاً لمخيمات نابلس.

 

نحن ندرك تماماً بأن هناك حالة من التماهي بين اليمين التلمودي التوراتي اليميني الصهيوني مع اليمين الأنجليكاني المسيحاني اليميني الأمريكي المتطرف، حيث ما يصدر عن أعضاء كونغرس متطرفين ووزراء وسفراء أمريكان، يقول بشكل واضح أنهم أكثر صيهونية من الصهاينة أنفسهم في العداء لحقوق شعبنا الفلسطيني، فالسفير الأمريكي في دولة الإحتلال مايك هاكابي، رد على دعوة الرئيس الفرنسي ماكرون للاعتراف بالدولة الفلسطينية، بدعوته لاقتطاع جزء من الأرض الفرنسية "الريفيرا" واقامة الدولة الفلسطينية عليها، ووزيرة الأمن الداخلي الأمريكي كريستني نوم حضرت وشاركت في الذكرى الثامنة والخمسين، لاستكمال احتلال القسم الشرقي من مدينة القدس، ذكرى ما يعرف بتوحيد القدس، بطقوس تلمودية وتوراتية في ساحة حائط البراق، وعضو الكونغرس الأمريكي عن الحزب الجمهوري رندي فاين دعا لقصف قطاع غزة بالسلاح النووي، رداً على مقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن، على يد استاذ جامعي أمريكي، هاله وراعه مشاهد المجاعة وموت الأطفال والمدنيين من الجوع والحصار والقصف الإسرائيلي. 

يبدو ان خطوة الحسم الإسرائيلية، رغم كل قوة الدفع خلفها، والشراكة الأمريكية وصمت المجتمع الدولي وتخاذل النظامين الرسميين العربي والإسلامي، ولكن هناك تصميم عال من قبل الشعب الفلسطيني على الصمود والبقاء والتشبث بأرضه، وهو يدرك التداعيات الخطيرة الناتجة عن نكبة جديدة بحق هذا الشعب، ولذلك حالة الصمود الأسطوري التي يسجلها الشعب الفلسطيني على طول وعرض مساحة الوطن، ومقاومته لكل مشاريع ومخططات التهجير والتطهير العرقي والتهجير والتصفية، تثبت بان هذا الشعب تحمل ما لا تستطع تحمله الجبال، ونتاج هذا الصمود، تواجه دولة الاحتلال " تسونامي" سياسياً وإعلامياً من قبل الشعوب والقوى والأحزاب الأوروبية والثورات الطالبية التي اجتاحت الجامعات الأمريكية والأوروبية الغربية، الضاغطة على حكومتها من أجل اتخاذ مواقف حاسمة وفرض عقوبات على دولة الاحتلال، لوقف جرائمها وحربها التجويعية والإبادية بحق الشعب الفلسطيني، وباتت السردية والرواية الفلسطينية متفوقة على رواية وسردية الاحتلال، الذي بات عاجزاً عن ترويجها وتسويقها و"بيعها" للشعوب والجماهير الأوروبية. 

التحولات الكبرى السياسية والإعلامية في دول أوروبا الغربية، تلعب دوراً مهماً في الضغط على حكومة الاحتلال، لوقف حرب التجويع والإبادة بحق الشعب الفلسطيني، ولكن يبقى الميدان العامل الحاسم في 

إعادة صياغة المشهد السياسي ووقف الحرب والعدوان على شعبنا،وإفشال مخططات الطرد والتهجير والنكبات الجديدة.