بقلم: اليكس فيشمان
مثال فلسطيني شعبي يقول: "من لا يقدر على الحمار يدق بالبردعة". والبردعة في الاشهر الاخيرة هو الجيش الاسرائيلي. حين يرغب المعسكر الوطني في أن يعرض رئيس الوزراء ووزير الدفاع كانهزاميين – فانه يضرب الجيش. وهكذا يتلقى رئيس الاركان الضربات بسبب قصة المقص، رئيس شعبة الاستخبارات يتعرض هو الآخر للضربات لأن الفقر في غزة يشغل باله، والآن سلاح البحرية هو الآخر يتعرض للضربات بسبب تأييده المزعوم لاقامة ميناء في غزة. في كل هذه الاحداث يشوهون الواقع، ولكن جحا يواصل الدق بالبردعة. مؤخرا انتهى في جهاز الامن فحص لعدد من النماذج لاقامة ميناء في غزة.
وكانت التوصية من كل الجهات هي أنه اذا ما وعندما يقام الميناء، يفضل أن يقام في العريش. وبالتوازي، اعد لكل واحد من البدائل الاخرى – مثل ميناء دائم في غزة، ميناء طائف، ميناء في اسدود، في قبرص – فتوى مهنية حول قدرة سلاح البحرية على تنفيذ فحص للشحنات الوافدة. ولم يرفض أي بديل بسبب قدرة الفحص. اما وزير الدفاع يعلون، بالمناسبة، فيرفض كل فكرة الميناء.
من ناحيته، فان كل قدرات الفحص التي عرضها سلاح البحرية لا تستوفي احتياجات الامن. وكانت نتائج الفحص عرضت على الجهات الحكومية التي قفزت على الفرصة كي تجني مكاسب سياسية. وعندها حرص احد ما لأن يروي على الملأ بان سلاح البحرية – الذي قدم بالاجمال كما اسلفنا فتوى مهنية حول قدرات الفحص – يوصي باقامة ميناء في غزة. وبتعبير آخر: رئيس الاركان يساري او مجرد انهزامي، وزير الدفاع ضعيف والجيش يركب عليه، ونتنياهو لا يسيطر على احد. غني عن القول ان اقامة ميناء في غزة ليس قرارا من رجال الجيش، بل موضوع سياسي بامتياز. الجيش يمكنه، في افضل الاحوال، ان يوفر فتوى مهنية.
اما القيادة السياسية فهي التي تأخذ المخاطر وتتحمل المسؤولية. وحتى عندما يعرض منسق الاعمال في المناطق اقامة الميناء كجزء من عملية اعادة بناء قطاع غزة – فانه يتحدث عن شيء ما خلف الافق. فالدراسة عن الميناء تساهم في الاجواء مع الفلسطينيين ويمكنها أن تخفض بقدر ما الضغط الدولي عن اسرائيل، ولكن احدا لا يقصد ان يقام ميناء في غزة في المدى المنظور.
ابو مازن هو الآخر يعارض اقامة ميناء، ويرى فيه مؤامرة اسرائيلية لخلق شرخ بين غزة والضفة. عرفات في حينه هو الآخر افشل اقامة ميناء في غزة بمبادرة اسرائيلية. بين السنوات 1992 – 1995، وبناء على تعليمات رئيس الوزراء الراحل رابين، نسق بوعز ابلبوم، مدير عام ديوان رئيس الوزراء في حينه، خطة لاقامة ميناء طائف في غزة.
وتناولت الخطة ميناء طائفا، يمكن للسفن الكبرى ان ترسو على جانبيه. ويرتبط هذا الميناء بأرضية البحر بالكوابل، الامر الذي لا يشكل مشكلة بيئية لميناء دائم، وفي حالة غزة – منع الانجراف من النيل. والميزة الكبرى للميناء الطائف هو سرعة البناء، اقل من سنة، والثمن – 15 في المئة من كلفة اقامة ميناء دائم. موانئ كهذه سبق ان اقيمت في عدد من الدول في العالم، بما في ذلك قبرص. حسب تعهدات الحكومة الهولندية – التي وقفت خلف الخطة – كان الفلسطينيون سيحصلون على ميناء منذ العام 1994. وقد عرقل عرفات الخطة لأنه لم يكن مستعدا لأن تقف اسرائيل خلف رمز للسيادة الفلسطينية.
وقد بَنى مرسى اسمنتيا بدائيا، بمساعدة تركية، سرعان ما انجرف في أول عاصفة. واذا ما كانوا سيوافقون في أي مرة على اقامة ميناء فانهم لا يحتاجون لأن يخترعوا الدولاب من جديد. ففي ديوان رئيس الوزراء توجد خطط هندسية واقتصادية مفصلة، ولا حاجة الا لاخراجها من الجارور.
ولكن اذا ما كانوا يجعلون الفرح من لا شيء، فليكن هذا حتى النهاية. فتلك الجهات من المعسكر الوطني التي اطلعت على المداولات في مسألة الميناء، اتخذت خطوة ابداعية اخرى وربطت الميناء بالمفاوضات الجارية مع تركيا على تطبيع العلاقات. وبزعمها، فان اقامة الميناء هي الرد الاسرائيلي على الطلب التركي لرفع الحصار عن غزة.
موضوع الميناء في غزة لم يطرح في المحادثات مع الاتراك بشكل ملموس، ولكن هذه الابداعية أثارت الهواجس في مصر، التي طلبت من اسرائيل أن توضح على الفور بان ليس للاتراك يد ورجل في الميناء في غزة وانه لن يقام ميناء يعزز "حماس" الا في اطار اتفاق مع السلطة الفلسطينية. وبالفعل، سارعت اسرائيل الى اصدار ايضاح بهذه الروح.
إذن ما الذي كان لنا؟ اخجلوا الجيش، احرجوا السياسة الخارجية الاسرائيلية حيال مصر، تركيا والفلسطينيين، والزموا الحكومة باصدار ايضاح عن بيضة لم تفقس. هكذا تدار الدولة.
عن "يديعوت أحرونوت"