هيا نتجاهل تفاهات الساعة ونتحدث عن إيران، حجر الزاوية في سياسة نتنياهو المقدس عنده والشيطان التاريخي الذي يمكن أن يوقع على الشعب اليهودي كارثة جديدة، وهو أصل الشر. كل ذلك تعبيرات لنتنياهو. أما هو فقد ولد وتربى وتعلم وهُيئ ليكون المخلص للشعب اليهودي من الخطر الايراني. نتنياهو لم يتعهد بأن يخطب ضد ايران، بل تعهد بأن يوقف ايران باستخدام اليد الطويلة للجيش اذا لم يكن هناك خيار آخر. لقد تعهد بأن يعمل لا أن يقول. لهذا فقد تبنى الخيار العسكري ضد البنية التحتية الإيرانية وهذا كلف الدولة عشرات المليارات، ولتمويل ذلك فقد أهمل التعليم والصحة والضواحي والطبقات الفقيرة منذ اللحظة التي دخل فيها الى منصبه حتى الآن. اذا حاكمنا نتنياهو حسب معاييره وحسب تصريحاته فإنه يشكل فشلا ذريعا في كل ما يتعلق بالمشروع النووي الايراني. لقد تسلم الدولة في 2009 وايران بعيدة خمس سنوات عن القنبلة النووية، وسيسافر في الشهر القادم الى الكونغرس وايران دولة على شفا الذرة. إن اتفاق الدول العظمى مع ايران لن يحولها الى دولة على شفا الذرة. لأنها هي هناك بالفعل وهو فقط يعطيها الشرعية الدولية، وقد تحولت الى دولة على شفا الذرة في فترة ولاية نتنياهو ولم يفعل شيئاً لمنع ذلك سوى الخطاب.
ليس لأنه لم تكن له فرص. ففي 2010 – 2011 كانت اسرائيل في عدة حالات على حافة الهجوم. لقد دار نتنياهو حول القرار وردد وتخبط وأجهد نفسه وتشاجر مع رؤساء الأجهزة الأمنية، ديسكن، دغان، اشكنازي ويادلين، وأصدر أوامره للاستعداد للمعركة وفي نهاية المطاف تراجع ولم يفعل شيئا. رؤساء الأجهزة الأمنية في حينه كانوا أشخاصاً من النخبة ولديهم القوة الداخلية. اضافة الى معارضتهم المهنية فقد تحدوا نتنياهو فيما يتعلق بشرعية العملية وقالوا له إنهم اذا تلقوا أمرا فسينفذونه بلا تردد، لكن يجب أن يكون القرار شرعيا. رئيس "الشباك" ديسكن الذي كان على رأس المعارضة طلب أن تتم المصادقة على العملية في مجلس الوزراء كما يقتضي القانون. وقد وافقه رئيس الموساد دغان وكذلك رئيس الاركان ورئيس الاستخبارات. وفي النهاية لم يحصل على المصادقة ولم يحدث الهجوم.
نبي الغضب
عاموس يادلين أنهى خدمته في تشرين الثاني 2010، ودغان في 2011 وكذلك اشكنازي وديسكن. وجاء مكانهم رؤساء جدد أقل خبرة وأقل ثقة. من صيف 2011 وحتى خريف 2012 كانت لنتنياهو فرصة ذهبية جديدة لمهاجمة ايران ومن كانوا يعارضونه ذهبوا. كان باراك وزير الدفاع الذي ترأس معسكر المطالبين بالهجوم. والرئيس اوباما كان مشغولا بالانتخابات. وكانت فرصة ذهبية أخيرة لكن نتنياهو لم يهاجم ايران.
لماذا لم يهاجم؟ لأنه خاف. إن الخوف من لجنة تحقيق محتملة كبلته لأنه كان يريد البقاء رئيسا للحكومة أكثر من مهاجمته لايران. هذا هو نتنياهو، إنه يفضل نفسه. لماذا؟ لأنه شخص ضروري وحيوي للدولة. لماذا؟ لأنه سيكون المخلص لها من الخطر الإيراني. غولدبرغ سمى نتنياهو بـ "قذر الدجاج". ليس هناك شتيمة أكثر من هذه في أميركا والهدف هو الشخص الجبان الذي يخاف القيام بعمل عسكري أو سياسي. ببساطة يخاف.
نتنياهو جبان، وهو يعرف ذلك في أعماقه. إنه يسخر من اولمرت لكن اولمرت دمر المفاعل النووي السوري رغم معارضة وزير دفاعه باراك، وقام بذلك من غير مساعدة أميركية رغم أنه أبلغهم بذلك، وجعل أميركا شريكة في السر، بالضبط ما كان على نتنياهو أن يفعله في الموضوع الإيراني، وبالضبط ما لم يفعله. بيغن البولوني الرقيق كان شجاعاً بما يكفي لمهاجمة المفاعل النووي العراقي. بيرس عارض لكن بيغن تمسك برأيه، فقد عرف أن الخطر سيلقي عليه كارثة في الانتخابات القادمة، لكنه عرف حجم المخاطرة وفكر بالدولة وليس بنفسه. لقد أرسل الطيارين (الذين كان عاموس يادلين أحدهم واليوم هو مرشح المعسكر الصهيوني كوزير للدفاع).
فشل اوباما
الفشل لم ينته هنا. في حالة إيران هناك خيار واحد هو أن يُشغل العالم، والعالم له قائد يسمونه رئيس الولايات المتحدة. ولو كان نتنياهو حقا يريد تخليصنا من التهديد الإيراني لكان عليه أن يكون شريكا استراتيجيا لاوباما بكل ثمن.
لكن ماذا فعل؟ لقد تحدى اوباما. ورغم أن اوباما متردد ولا يستغل القدرة الأميركية الضخمة ولا يضع الخيار العسكري أمام ايران وهو مسالم، لكنه ما زال رئيساً للولايات المتحدة.
منذ اندلاع ازمة الخطاب في الكونغرس تضاءلت خيارات إسرائيل جدا للحصول على الأغلبية المطلوبة في الكونغرس من اجل التغلب على فيتو الرئيس اوباما في الموضوع الايراني. لقد خرب اوباما مصالحنا بيديه.
يكفي بيبي
لا توجد لنتنياهو الحكمة المطلوبة للقائد. هذه الحقيقة تم إثباتها على طول فترة ولايته. خُذ مثلا رؤوبين ريفلين. لقد كان لنتنياهو هدفا استراتيجيا في ألا يصبح ريفلين رئيسا للدولة وقد عمل كل ما في وسعه لتحقيق هذا الهدف وتخاصم مع الجميع من اجل هذا الهدف وقام بكل المناورات لمنع ذلك ولكن في نهاية المطاف ريفلين أصبح رئيسا. وحتى بعد انتخاب ريفلين لم يتعامل معه بحكمة.
ومثال آخر، محافظ بنك إسرائيل. عندما أنهى فيشر منصبه أوصى بأن تكون نائبته كرنيت بولغ مكانه، لكن نتنياهو عارض هذا القرار ورشح آخرين وفي النهاية أصبحت كرنيت هي المحافظة.
هذا الرجل ليست لديه حكمة وهو ليس الشخص المناسب للقيام بوظيفته تحت الضغط.
نسيج المصالح
نسيج المصالح المعقدة لـ "يديعوت" يتوازن في نهاية الأمر وبرؤية تاريخية مع مصالح الناشرين الآخرين. وفي النهاية فإن "يديعوت" تصاحب الدولة منذ يومها الأول، ولديها إنجازات كبيرة. أما "إسرائيل اليوم" فلا تصل الى مستوى صحيفة إعلانات حزبية، هي مجرد صحيفة لخدمات العلاقات العامة، وتُضخ ملايين الشواقل من لوس انجلوس لتعزيزها.
كل من هو في مهنتنا يعرف ذلك جيدا، وحتى الآن هم يحظون برؤية هذا الهجوم على نوني موزيس. إنهم لا يفهمون أن هذا هجوما عليهم، بل يرون أن "اسرائيل اليوم" زادت انتشارها بصورة كبيرة (470 ألف نسخة في يوم الجمعة الماضي) لصالح الانتخابات، ولا يفهمون.
قنبلة في حاملة الجنود المدرعة
في رأيي المشكلة القادمة هي تلك التي ستنفجر بين بينيت ونتنياهو. خلافا لاتفاق "عدم القتال" الذي وقع بينهما فان بيبي ينقض على مصوتي بينيت. إن اعلان نتنياهو أن الرئيس سيلقي مهمة تشكيل الحكومة على رئيس الحزب الاكبر، وحاول تشجيع مصوتي بينيت الذهاب لليكود، قد أثار غضب بينيت ورجاله.
إن رجال بينيت منزعجين منه ويتساءلون لماذا انشأ مركز انتخابي للمستوطنين، لماذا يوظف الملايين في جمهورنا، لماذا لا يقوم بقيادة حملة انتخابية لأخذ ناخبي كحلون، حيث أن 80 بالمئة منهم ليكوديين. سألتهم ماذا سيفعلون. ولم يعرفوا الإجابة، لكن إطلاق النار داخل حاملة جنودهم المدرعة يسبب لهم الآن الخسائر الفادحة. في استطلاع "معاريف/الاسبوع" هذا اليوم هبط بينيت الى 10 مقاعد، وبهذه الوتيرة سينهي الانتخابات بـ 7 – 8 مقاعد. بينيت ليس معروفا بطبعه الهادئ، ونجاحه ليس قائما على صبره. في نهاية المطاف اذا لم يكن لديه خيار فانه سيضع حزاما ناسفا ويفجر نفسه داخل حاملة الجنود المدرعة.
ها هو انظروا
شيء آخر لتغيير الجو. روت كوليان امرأة حريدية وأم لأربعة، تحاول وحدها أن تُحدث ثورة. قدمت عدة التماسات في محكمة العدل العليا ضد اقصاء النساء الحريديات عن حق انتخابهن. إنها تنغص حياة المؤسسة الدينية الظلامية، هي امرأة مقاتلة صلبة تلقت العديد من الخسائر لكنها لم تستسلم.
في الآونة الأخيرة أقامت كوليان التي ليس لديها أي دعم، حزباً باسم "بفضلهن، الحريديات يقمن بالتغيير". ترشحت للكنيست وهي ليست لها ميزانية أو دعاية. وما دفعها لهذا العمل اعتقادها بأن هذا هو أمر الساعة، يجب البدء بالحرب في مكان ما. ونظرا لأنها سجلت كحزب وترشحت للانتخابات فإنها تحظى بوقت على الشاشة في الدعايات الانتخابية بالمجان. لقد جندت أكثر قليلا من 3 آلاف شيكل فقط، واذا رغبتم في المشاركة في ثورة مدنية حيوية فتبرعوا. الرجال المهنيين في المجال الإعلامي وإخراج الدعايات يتم الترحيب بهم كمتطوعين. تقول كوليان: إن "خوف أعضاء الكنيست الحريديين من وجود امرأة في الكنيست هو الخوف من فقدان السيطرة"، وتضيف "في اللحظة التي يصبح فيها لامرأة حريدية عنوانا حقيقيا صحيحا في الكنيست ستتكشف الأبعاد الحقيقية لضائقة النساء الحريديات. عندها سيقول الجميع كيف لم نعرف وكيف لم نرَ. إذاً هاكم، اعرفوا وانظروا وساعدوا".
من يريد المساعدة يستطيع أن يكتب "ميمونه"، وبفضلها ستقوم النساء الحريديات بالتغيير، وهذا سيوصلكم مباشرة الى موقع ميمونه والى المكان الذي يمكنكم أن تتبرعوا فيه.
عن "معاريف"
خـيـال نـتـنـيـاهـو ..!
24 سبتمبر 2023