العرب: الغائبون عن النقاش النووي

تنزيل (13).jpg
حجم الخط

الكاتب: عاطف أبو سيف

 

في ظل الصراع النووي المحموم في الشرق الأوسط الذي دخل مرحلة الحسم هناك غياب كامل للتعاطي العربي مع الملف.
ثمة نقطتان كان يجب على الموقف العربي أن يتبنى إحداهما أو يقابل بينهما في النقاش الإقليمي والعالمي، إما أن يتم تطوير برنامج نووي عربي مشترك تستفيد منه كل الدول العربية ويكون لدى العرب كما لدى بقية المناطق في العالم سلاحها الردعي الخاص، وإما أن يتم تجريد المنطقة بشكل كامل من السلاح النووي وتفكيك كل القدرات النووية في المنطقة وعلى رأسها قدرات إسرائيل.
الخيار الأول للأسف لم يكن يوماً مطروحاً بجدية رغم الحديث عن مشروع مصري زمن عبد الناصر والحديث عن برنامج صدام حسين الذي لم يكن أكثر من ذريعة لاحتلال بغداد ولم يجدوا منه «ماسورة» واحدة، وبعض الإشارات الضعيفة من بعض قادة الدول العربية مؤخراً حول الحاجة لبرنامج نووي عربي سلمي.
الحقيقة أن العرب إما أن يكون لهم برنامج نووي مشترك وإما أن تخلو المنطقة من السلاح النووي.
والعمل على تطوير سلاح نووي عربي يتطلب الكثير أيضاً منه تطوير منظمة السلاح العربي وعدم قصره على غايات استعراضية ومبادلات تجارية ومجاملات اقتصادية.
يظل السؤال القديم الجديد قائماً، في ظل الصراع النووي في الشرق الأوسط: لماذا لا يوجد برنامج نووي عربي؟
ما الذي يمنع العرب من تطوير برنامج مشترك قائم على امتلاك العرب قنبلتهم النووية وتوظيف الطاقة النووية في مشاريع التنمية والصناعة؟
طبعاً الجواب يرتبط بالحالة العربية برمتها، الحالة التي تبحث فيها كل دولة عن مصالحها وعدم وجود تخطيط عربي مشترك.
وأنا لست ضد أن تبحث كل دولة عن مصالحها ولكن على الأقل ثمة حاجة للتفكير كجيران بعيداً عن القومية الواجبة والتاريخ المشترك والهوية الجمعية.
أن تفكر الدول العربية كدولة تربطها حاجات مشتركة، وأنا أحاول أن أبتعد عن مصطلح جيران الذي استخدمته قبل قليل، حتى لا يزج الاحتلال نفسه في المعادلة بوصفه جاراً طيباً وهو أبعد ما يكون عن ذلك.
ما الذي يمنع الدول العربية التي تمتلك المساحة والمال والخبرات والأهم أنها بحاجة ملحة في ظل الصراع النووي في المنطقة لأن يكون لها مشروعها الخاص، كما أن النقاش يجب أن يتجاوز حدود المنطقة ليتوسع حول مستقبل التسلح في العالم، إذ لا يجوز أن يكون السلاح لقارة دون الأخرى ولعرق دون الآخر، فكما أن حقوق الإنسان والقانون الدولي لا تشمل الجميع للأسف لا يجوز أن نقبل أن لا يشملنا الحق في التسلح أو فرض عدم التسلح على الجميع.
يجب إعادة السياسة إلى مربع الأخلاق الذي تم نزعه عنها في تسويات أوروبا الداخلية بين الحربين وبعد الحرب الثانية.
الخيار الآخر: منطقة خالية من السلاح. وأظن أن على الدول العربية أن تقوم بتقديم مقترح بذلك لمجلس الأمن وفي حال استخدمت واشنطن حق النقض (الفيتو) فبالتالي فإن هذا يعني إعفاء الجميع من الحرج من واشنطن وأن الأخيرة مع تفشي ظاهرة السلاح النووي في المنطقة ونزع أي ذريعة لتدخل أميركي في المنطقة. هذا يحتاج لشجاعة موقف نحن بأمس الحاجة لها.
لاحظوا أن نتنياهو منذ بداية الطنطنة الإسرائيلية حول مخاطر السلاح النووي الإيراني المحتمل وهو يقول إن طهران على بعد أمتار قليلة من إنتاج القنبلة النووية.
ونفس العبارات التي يقولها الآن كان قد قالها قبل ذلك، وفي كل مرة يكون الهدف إعطاء الغرب الإحساس بأن طهران ستدمر تل أبيب بعد قليل، وأن على الغرب أن يتحرك من أجل منع ذلك، أو يقف مسانداً لإسرائيل في الحرب التي تشنها على إيران.
نفس الدعاية الصهيونية التقليدية التي تبيح قتل كل شيء حتى الأطفال حتى لا يكبروا ويشتد عودهم فيشكلوا تهديداً على اليهود.
خزعبلات السردية الصهيونية التي تستغل التاريخ الأوروبي وتستند إلى وقائع من الكتاب المقدس ليس أكثر من نصوص دينية وليست تاريخية.
الحل واضح وبسيط أن لا يكون لدى أي طرف سلاح من هذا النوع.
هذا الطرح سيجد آذاناً في الغرب وبين الجمهور الأوروبي والأميركي في الوقت الذي تريد فيه إسرائيل جر العالم للقتال نيابة عنها بحجة أنها بدأت الحرب نيابة عن العالم.
إن نتيجة الحرب الإسرائيلية الإيرانية لن تكون بأي حال لصالح المنطقة العربية، فالنتائج الثلاث للحرب في محصلتها ضد المصلحة العربية. فلو انهزمت إيران فسيأتي نظام الشاه على أقل تقدير أو نظام موال بشكل كامل لإسرائيل وستستخدمه تل أبيب للضغط لتنفيذ مصالحها في المنطقة العربية، ولو انتصرت إيران وهذا أيضاً صعب فإن هذا سيعني الهيمنة الإيرانية الفارسية الشاملة على المنطقة، فيما يظل الخيار الثالث الأكثر احتمالاً والمتمثل بتسوية للملف النووي الإيراني وترتيب الأوضاع مع واشنطن وتل أبيب، وفيما سيكون جزء من التسوية التسليح الإيراني والحد منه فإن الجزء الآخر سيكون تقاسم النفوذ والمصالح بين طهران وتل أبيب في المنطقة.
إن غياب العرب عن صراع القوة في المنطقة أمر مقلق، ولا يمكن تفسيره.
لا تبدو الدول العربية في حساب أحد حين يتم التحدث عن مستقبل المنطقة، أفضل ما قد يخطر على بال القوى الكبرى هو أن يدفع العرب ثمن تنظيف الفوضى التي قد يحدثها ترتيب المنطقة طبعاً لغير صالحهم.
من المحزن أن نقول ذلك، فدول لا تطمح إلى أن تطور نفسها لا تصلح للمستقبل.
فرغم المال العربي الفائض عن حاجة البعض فإن ما يجري ليس بناء مصانع أو تطوير الاقتصاد ليصبح اقتصاداً معاصراً بل تطوير عادات استهلاك تجعل من خيرات البلاد الغنية مجرد صراف آلي للإنفاق على حياة أفضل مع الحفاظ على الصفة الريعية لنمط الحياة والدخل العام.
ثمة حاجة لتفكير عربي مشترك وبرنامج سياسي عربي يقوم على الحد الأدنى من القواسم.
إما أن نتجه لبرنامج نووي عربي بكل مكوناته السلمية والدفاعية، أو تطوير خطاب ومطلب سياسي عربي يخلي المنطقة كلها من السلاح النووي وبالتالي تفكيك قدرات إسرائيل. والقول إما هذه أو تلك؟.