عباءة الخبير: حين يتحول الطالب إلى صانع معرفة

حين يتحول الطالب إلى صانع معرفة
حجم الخط

غزّة - وكالة خبر

هل فكّرت يوما أن السؤال الذي لم يُطرح قد يكون بذرة عبقرية تنتظر بيئةً تُنبتها؟ هل خطر في بالك أن الطالب الذي يلتفت خجلاً عن السبورة، قد يكون هو العالم المقبل لو أُلبس عباءته في اللحظة المناسبة؟ هل من الممكن أن يكون الصف الدراسي فضاءً لا للشرح والتلقين، بل للحوار والاكتشاف والتحول؟ هنا، عند عتبة هذه التساؤلات، تنبثق "استراتيجية عباءة الخبير".

ليست درسًا في التخيل، ولا مجرد نشاطًا عابرًا، بل فلسفة تُعيد صياغة العلاقة بين الطالب والمعرفة، بين المعلم والدور، بين السؤال واليقين. إنها ليست مجرد وسيلة تدريس، بل موقف تربوي عميق ينقل الطالب من ضفة الاستهلاك إلى ضفة الإنتاج، من موقع المتلقي إلى موقع القائد.

وقد جسّدت زميلاتي في درسهن المبدع "رحلة داخل الجسم – مهمة خبراء الجهاز الهضمي" هذا التحوّل بشكل حيّ ومُلهم.

لم تكن المهمة اكتشاف وظيفة المعدة أو الأمعاء، بل كان الهدف الأعمق: أن يتحوّل الطالب إلى طبيب، إلى باحث، إلى خبير يتحدث من قمة التجربة لا من هامش الورق. لقد ارتدى الأطفال العباءة فعليًا، لا كقماش أبيض، بل كموقف، كهوية، كقوة داخلية تشعُّ معرفةً وثقة.

لقد كان الدرس تمرينًا على التحول، مسرحًا تربويًا جادًا يرتكز على احترام عقول المتعلمين. فكل طالب دخل الحصة بـ"حقيبة مدرسية"، وخرج منها ومعه "ملف تقارير طبية"، بل وشعور داخلي أنه قادر على الفهم، التحليل، والتفسير.

ذلك هو جوهر استراتيجية عباءة الخبير: أن نزرع الثقة قبل الكفاءة، فتنبت الكفاءة من رحم الإيمان. وفي أروع مشهد من مشاهد التاريخ التربوي، جسّد النبي ﷺ هذه الفلسفة حين أسند القيادة العسكرية العُليا للشاب أسامة بن زيد، رغم صغر سنه.

لم ينتظر منه أن يبلغ الكفاءة أولًا، بل غرس فيه الثقة، فأزهرت كفاءةً تجاوزت عمره وتجربته. لقد ألبسه عباءة القيادة، لا لأنه قد أكمل المسيرة، بل لأنه يحمل بذرتها.

بهذا الموقف، علّمنا النبي ﷺ درسًا خالدًا: أن الإيمان بمن أمامك يمكن أن يصنع منه ما لم يره في نفسه بعد. فكرّ معي، ما قيمة أن يقرأ الطالب عن وظيفة الفم إذا لم يُعطَ دور "طبيب الفم" ليشرحها؟ ما نفع المجسمات والوسائل إن لم تكن جسورًا نحو المواقف الحية؟ ما جدوى التقييم إن لم يُبْنَ على أداء يعبّر عن فهم، لا على إجابات تُملى؟ هذه الاستراتيجية تدعونا أن نرى الطالب ليس كما هو، بل كما يمكن أن يكون.

أن نعامل الطفل على أنه مشروع خبير، ونحاكيه من منطلق ثقته لا من موقع عجزه. فالموهبة لا تولد كاملة، لكنها تنمو حين تجد معلمًا يؤمن بها، وبيئة تسمح لها أن تُخطئ وتتقدم، أن تُحلل وتشرح، أن تُجرب وتبدع. وها نحن، بعد أن شهدنا كيف تحولت حصة علوم تقليدية إلى منصة قيادية نابضة، نصل إلى لحظةٍ يجب أن تُختم، لا بكلمات تفسيرية، بل بنشيدٍ ينبض بمعاني العباءة التي لبسها كل طالب، نشيدٍ يشبه الموقف، ويشبهكِ – أيتها المعلمة – حين تؤمنين أن التعليم ليس وظيفة… بل رسالة.

نشيد عباءة الخبير… ترنيمة الثقة والتحليق لبِسَ الطموحُ عباءتي فتنفّسَا ومضيتُ أرقى بالخطى مترسَّمَا ما كنتُ أعرفُ ما الخبيرُ، ولكنِـي لمّا اعتنقتُ الدورَ، صرتُ معلِّمَا سافرتُ في عِلمِ القوى متفكِّرًا أنسجْتُ من فكري السدادَ منظَّمَا في رداءِ علمٍ، قد سموتُ مُلهَمًا أروي مسارَ الهضمِ شرحا مُحكَما لبسَ الطبيبَ، وجاء يشرحُ هضمَهُ فرأيتُ فيهِ العِلمَ صارَ مُتمِّمًا يا من يرى الطفلَ الصغيرَ مُقيَّدًا انظُرْ إليهِ، إذا ارتقى وتعلَّمَا فالدرسُ ليسَ بمَحْفَظاتٍ جامدةٍ بل فكرةٌ، ويدٌ تثيرُ الأنجمَا هذا الخيالُ جناحُهُ من حكمةٍ والعلمُ يحضنهُ، فيصعدُ سلَّمَا يا صاحبَ الحرفِ التليدِ تأنَّ في زرعِ العقولِ، فكلُّ نبتٍ يُكرِمَا علّمْ بصدقِ القلبِ، وامنحْ ثقةً فالطفلُ إنْ لبسَ الخبيرَ، تَقدَّمَا وختامُها… من خيرِ خلقِ مُربِّنا ألبَسْتَ أسامةََ فَتْيَةً متقدِّمَا كمْ كُنتَ يا أُسَـامَةُ الحُلمِ الّذي لبسَ “الخبيـرَ”، فصـارَ فيهِ مُلهَمـا هكذا، تُصبح "عباءة الخبير" ليست مجرد استراتيجية تعليمية، بل بوابة لنهج تربوي إنساني، حيث تُكتشف الذات في مرآة الدور، وتُصنع المعرفة بأيدٍ صغيرة… تؤمن أنها قادرة أن تكون كبيرة. فلنمنحهم العباءة، قبل أن يطلبوها… ولننتظر منهم المعجزات التي تبدأ من لحظة ثقة.

للإطلاع على تصميم الدرس اضغط هنا

الكاتبة: شروق نوفل الدكتور: منير حسن

الجامعة: الإسلامية غزة