أحد الأصدقاء، مثقف تل ابيبي من اصل اكشنازي، التقى بي في المقهى: "الآن يوجد للمعسكر اليساري فرصة"، قال متحمساً، "انت أيضا يجب ان تصوت ميرتس. لكن انت لن تفعل ذلك لأن تصويتك، مثل كل الشرقيين، عاطفي". هذا الادعاء واسع الانتشار في المعسكر اليساري، بأن تصويت الشرقيين لا يستند إلى موقف أو مصلحة، بل يستند إلى عواطف، وانهم عبر التصويت لليمين يغلقون حسابا تاريخيا مع حزب العمل، الحزب الذي قام زعماؤه برشهم بال "دي دي تي ... (مسحوق ضد القمل)" ويغلقون الحساب أيضا مع اليسار ككل، محبي العرب.
ولكن، في الانتخابات القادمة سوف يتوجه إلى الصناديق الجيل الثالث من المهاجرين الشرقيين، ابناء الجيل الأول بغالبيتهم لم يعودوا بيننا، ولأبناء الجيل الثالث لا يوجد ذكريات مُرّة ولا مشاعر انتقام ازاء احزاب اليسار. معظمهم كجميعهم نشؤوا تحت ظل حكم الليكود ويعرفون احزاب اليسار بشكل عام كأحزاب معارضة ضعيفة، تكافح من اجل البقاء، وليست كشيطان استغلالي.
اما بشأن كره العرب – بداية، ليس كل الشرقيين كارهي عرب. حتى لو افترضنا ان جزءا منهم هم كذلك، فالارتباط بين كراهية العرب والتصويت لليمين ضعيف. سبق أن تم الإثبات أنه في شؤون الأمن والعلاقة مع العرب، فالفرق بين اليسار واليمين هو تكتيكي ولفظي في أساسه. اسحق رابين أعطى الأمر في الانتفاضة الأولى "لكسر اياديهم وأرجلهم"، وهو من شرع فعليا بإقامة المستوطنات الأولى. بنيامين نتنياهو من الجهة الأخرى هو الذي قبل بحل الدولتين.
هذا هو، التصويت العاطفي للشرقيين أسطورة. الشعب ليس مغفلا، ومن يصوت لليمين يفعل ذلك جراء اعتبارات هامة. مثلا، حالة نفي الشتات – المصاب بها اليسار الاشكنازي – تزعج الشرقيين، المتدينين والعلمانيين على حد سواء. الطرق الشعبية لا تبدي شعورا بالراحة من نفوراليسار الاشكنازي من الدين اليهودي والثقافة اليهودية ما قبل الصهيونية. ليس ذلك مجرد عدم راحة مثالي، - إذ تعلموا ذلك على جلودهم، فلهذا النفور تبعات فعلية على تشكيل مجالات الصعيد الشعبي: على خطط التعليم، على توزيع الموارد الثقافية وعلى برامج البث في وسائل الإعلام العامة.
يدَّعون في اليسار، بأن اليمين يخصص الموارد للمستوطنات على حساب الضواحي وسكانها الشرقيين، ولهذا بالتصويت لليمين يطلق الشرقيون النار على أرجلهم. وهذا ليس دقيقا لأن الكثير ممن يستفيدون من التفضيلات في الضفة الغربية هم شرقيون بنوا بيوتهم هناك لانه لم يكن بوسعهم شراء شقة داخل الخط الأخضر. حقيقة انه من الصعب ان نعرف كم عدد الشرقيين في مناطق الضفة الغربية، ولكن نستطيع ان نتعلم شيئا من أنه في موديعين عليت، المدينة الاكبر في حجمها في مناطق الضفة الغربية (نحو 60 الف ساكن)، فإن شبكة التعليم الخاصة بشاس هي الثانية في حجمها. وإذا اخذنا في الحسبان، بأنه لا يوجد ضمان في حال فوز اليسار في الانتخابات بانه سيعمل على تحويل الموارد من الضفة الغربية إلى الضواحي داخل الخط الأخضر، وليس إلى المركز الاشكنازي المتخم- فإن انفاق الموازنة على الضفة الغربية هو أفضلية ليست سيئة من وجهة نظر الشرقيين.
يعرض اليمين أيضا للشرقيين "تمثيل افضل واكثر اقترابا لمراكز القوى. بالنسية لشاس هذا مفهوم بذاته، ولكن أيضا في الليكود يوجد للشرقيين أفضلية معينة. يبدو، أن حقيقة وجود قوة كبيرة لممثلي الشرقيين في مركز الليكود ليست ذات قيمة انثروبولوجية – فولوكلورية فحسب، كما يحاولون إظهار ذلك في اليسار. فلهذا التمثيل يوجد آثار فعلية، لأنه من مجموعة القوة هذه تأتي الطيبات، مزادات وأعمال للمقربين من أصحاب القوة الشرقيين.
إذا كان الأمر على هذا النحو، لماذا يواصلون في اليسار الاعتقاد بأسطورة التصويت العاطفي؟ لأنه من المريح للنخب اليسارية ان تؤمن بذلك. الإيمان بعاطفية التصويت للشرقين تعفي هذه النخب من ضرورة التنازل عن تحكمها بوسائل الإنتاج والتحرك باتجاه توزيع عادل للموارد. لماذا عليهم دعم خفض اسعار ما يملكونه من شقق في المدن القديمة، او أن يوافقوا على فرض ضريبة على التوريث، منهما يستفيدون هم وأبناؤهم. إذا لم يكن انتخابهم سيغير شيئا؟ إنه تفسير مريح لهم بأن الشرقيين سيستمرون في التصويت كما صوتوا سابقا – لأن تصويتهم عاطفي ولا يرتبط بالمعطيات والوقائع.
التصويت العاطفي للشرقين اسطورة، لكنها اسطورة ايضا موجودة. والدي، الذي كان مدرساً في المدرسة الوسطى، اعتاد ان يقول، بأن وضع العمال في الدولة افضل حالا بوجود الليكود في السلطة، لأنه عندما يشكل حزب العمل الحكومة، يتعاون معها الهستدروت وتكف هذه النقابة عن الدفاع عن العمال. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه المعلومة، فقد صوت طوال حياته لصالح حزب العمل. تصويت عاطفي بالطبع.
عن «هآرتس»