الإعلام التقليدي في غرفة الإنعاش

تنزيل (3).jpeg
حجم الخط

الكاتب: هاني عوكل

 

تحديات كثيرة تواجه الإعلام التقليدي مع تغول الذكاء الاصطناعي وتأثيره المتسارع في إيقاع الحياة، وهيمنته شيئاً فشيئاً على المحتوى الرقمي وتدخله في صياغة المشهد المزاجي لجمهور المتابعين في مختلف القنوات الإعلامية بشقيها التقليدي والحديث.
في سنوات ما قبل العولمة، كان الإعلام التقليدي العنوان الوحيد في صياغة المشهد  الإعلامي ككل، ولم تكن هناك وسائل تواصل اجتماعي ولا منصات رقمية، والأهم أن الكثير من الدول كانت تسيطر على الفضاء الإعلامي وتوجهه في خدمة توجهاتها السياسية.
في المقابل، برزت قنوات إعلامية تقليدية مضادة للإعلام الرسمي، للتأثير في سلوك الأفراد وحثهم على معرفة الصورة والصورة المضادة، وشكّل الإعلام التقليدي حينذاك نافذة على العالم تتابع من الصحف والمجلات والقنوات الإخبارية والإذاعية.
العولمة ودخول العالم موجة جديدة من الحداثة، جعلا الإعلام التقليدي يتأثر بسبب تنامي الإعلام الرقمي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أسهمت في تقديم محتوى إعلامي يتجاوز الخطوط الحمر في مسألة الخضوع لمراقبة المحتوى.
مع توسع هذه المنصات والعالم الافتراضي، بدا للإعلام التقليدي منافس شديد غير خاضع لأجندة الدول ولا يمكن السيطرة عليه لكونه غير مركزي عكس الإعلام التقليدي، ولأنه محتوى خفيف وسهل ويمكن الوصول إليه بسرعة وبأقل التكاليف الممكنة.
من الصعوبة الاستدلال بإحصائيات عن واقع الإعلام الرقمي، اليوم، غير أنه يمكن القول، إن هذا الأخير هو المسيطر الأكبر على حصة الفضاء الإعلامي ككل، والسبب الأبرز أنه سريع الانتشار والمعلومة تصل إلى الفرد أسرع من الإعلام التقليدي الذي يحتاج إلى تأكيدها قبل عملية النشر. يدعم هذه الفرضية تقرير لـ»رويترز» عن العام 2024 يفيد أن أكثر من 70% من الشباب يستخدمون هواتفهم الذكية مصدراً رئيساً للأخبار.
النتيجة أن هناك جمهورا من الشباب يؤيدون الإعلام الرقمي ويتفاعلون معه بعكس الإعلام التقليدي الذي تضاءل حضوره لأن قاعدته الاستهلاكية تغيرت وفقد بريقه ولا أحد يسنده سوى فئة معينة من أصحاب الفئات العمرية الأكبر من جيل الشباب.
مع دخول الذكاء الاصطناعي عالم الفضاء الرقمي بقوة، فهذا يعني زيادة احتضار الإعلام التقليدي، حتى وإن تدخل الأول في هذا الإعلام وحاول إنعاشه، ذلك أن متطلبات المرحلة الجديدة تعكس هيمنة أدوات الذكاء الاصطناعي على حياة البشر.
على سبيل المثال، أي متابع لوسائل التواصل الاجتماعي التي تعج بالأخبار المتنوعة، يدرك أن هناك خوارزميات للذكاء الاصطناعي تستغلها في عرض محتوى قد يشد انتباه المتتبع، وتظل ترفده بما يلبي احتياجاته حتى تستحوذ على أكبر زمن للتصفح في منصة المحتوى الرقمي.
يحدث هذا في منصات مشهورة مثل «فيسبوك» ويوتيوب» التي ما أن يتصفحها الفرد حتى ينهال عليه محتوى يشده وأقرب إليه من طريقة تفكيره، هذا فقط لأنه تصفح خبراً معيناً فتح له الطريق أمام أخبار على نفس الشاكلة، يتبعها إعلانات تترجم المحتوى الذي أقبل عليه في البداية.
لمعرفة مدى تأثير الفضاء الرقمي على المزاج العام، يمكن الاسترشاد بحرب الأربعة أيام التي وقعت بين باكستان والهند في شهر أيار الماضي. الإعلام التقليدي لم يكن يستطيع مواكبة هذه الحرب على مدار الساعة، عكس الفضاء الرقمي الذي امتلأ بالأخبار والفيديوهات والتحليلات.
جمهور المتابعين من الباكستانيين والهنود اشتبكوا في منصات التواصل الاجتماعي، وتابعوا الأخبار من هذه النوافذ الرقمية، وما حدث أن الإعلام التقليدي أكمل صياغة المشهد بتأثيرات بسيطة، والسبب أن الإعلام الرقمي يحدث فيه تفاعلات وتغذية راجعة بين جمهور المتابعين، عكس الإعلام التقليدي الذي يقول كلمته والسلام.
الدول نفسها بدأت تدرك أهمية الإعلام الرقمي في الحياة العامة، ولذلك استخدمت كل من الهند وباكستان المنصات الرقمية لتشكيل الرأي العام وإدارة الحرب الإعلامية السيبرانية، وفي الأخير لم يتمكن أحد مِن معرفة مَن الجهة التي تضررت أكثر في هذه المعركة الخاطفة.
حتى في الحرب العدوانية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، يدخل الإعلام الرقمي على هذا الخط وتقدم إسرائيل خططاً لتهويد غزة وإفراغها من سكانها لترسيخ هذه الفرضية في عقلية المتابعين، ويأتي دور الإعلام التقليدي الذي تحركه الحكومة لفرض أجندتها السياسية من أجل إقناع الرأي العام بأن غزة ستتغير هويتها الفلسطينية.
أغلب المتابعين لهذه الحرب، يذهبون إلى الفضاء الرقمي للحصول على المعلومة، حتى وإن لم تكن دقيقة، لكنها سريعة ومتنوعة وتتضمن مشاهد لا يحصل عليها الإعلام التقليدي بالسرعة المطلوبة، وأضف إلى ذلك، إن المتابع يمكنه المشاركة في تقديم رأيه وتوجيه المحتوى الذي يهمه إلى الجمهور الذي يريده.
الخلاصة، إن الفضاء الرقمي بات يسيطر على المشهد الإعلامي، على الرغم من أنه يقدم محتوى فيه الكثير من الضلالية والتزوير والتلفيق، إلا أنه يستمر في تقليص حصة «كعكة» الإعلام التقليدي في المشهد الإعلامي ككل، ما يعني أننا في نهاية عصر هيمنة الإعلام التقليدي.