الــعــنــصـــريــــة تـــتــعـــمّــــق فـــــي إســـرائــيــل

560
حجم الخط

بقلم: دانيال بلتمان

   الاقوال التي قالها مؤخرا ذوو المناصب الأرفع تشير الى عمق العنصرية التي يغرق فيها الكثير من متخذي القرارات. روني ألشيخ وتسيبي حوطوبلي ينتميان الى المعسكر السياسي ذاته الذي يسيطر على الدولة والاجهزة الامنية وجهازي التعليم والثقافة. إن سيطرة معسكر المستوطنين على مراكز القوة في الدولة تقضي على الفرصة الضئيلة من اجل العودة وتأسيس مجتمع ليبرالي هنا منفتح وفيه تعددية.

  ألشيخ، المفتش العام للشرطة، اعتبر نفسه خبيرا في شؤون الثكل، وقال إن الثكل اليهودي ليس مثل الثكل العربي. لماذا؟ لأن اليهود يقدسون الحياة، حسب رأيه، أما الفلسطينيون فيقدسون الموت. لأن كل من يحمل السكين يعبر عن رغبته في الموت.  حوطوبلي، نائبة وزير الخارجية، حاولت اقناع العالم أن «ارض اسرائيل» هي للشعب اليهودي، بناءً على وعد إلهي. وهي الآن تقوم ببلورة حملة دعائية جديدة بمناسبة مرور خمسين سنة على الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية، من اجل اقناع العالم أن هذا ليس احتلالا بل سلطة حضارية تعود بالبركة والتقدم وأماكن العمل على الفلسطينيين.

          حوطوبلي وألشيخ لا يتم اعتبارهما متطرفين. فهما ليسا بنتسي غوفشتين واعضاء «لاهافا» ولا بتسلئيل سموتريتش واقواله الفظيعة في الماضي والحاضر. المفتش العام للشرطة ونائبة الوزير هما قلب المؤسسة الاسرائيلية اليوم. ولكن اذا فهمنا مواقفهما بشكل أعمق يمكن فهم الاشكالية الكبيرة التي تتمثل في كون هؤلاء الاشخاص هم الذين يتخذون القرارات في الوقت الحالي في دولة اسرائيل.     

     يقوم ألشيخ بالتمييز بين من يقدسون الحياة ومن يقدسون الموت بناءً على الانتماء القومي الديني: اليهود مقابل العرب. ولولا وجود هذا التصور العنصري الذي ينبع من ايمانه بتفوق القيم اليهودية، والذي يشوش احساسه، لكان فهم أن الكثير من اليهود اختاروا الموت على مر التاريخ. لأنه كان أفضل في نظرهم من الحياة، الآن، أو اولئك الذين كان من المتوقع أن يبقوا على قيد الحياة. الحاخام شلومو غورن كتب عن الانتحاريين في متسادا: «يتبين أن الأسر عند الرومان كان مقرونا بفرض جميع المخالفات التي في التوراة. لذلك، حسب الدين، كان يجب عليهم أن يقتلوا أنفسهم حتى لا يقعوا في أيدي الرومان الذين يكرهونهم، ويريدون ايذاءهم وتحطيم دينهم وكرامتهم». في الرواية الصهيونية تم تبني موضوع متسادا كبرهان على البطولة القومية. لكن غورن يفسر الامر بوضوح على أنه واجب ديني. وهذا التفسير يشبه كثيرا الطريقة التي يفسر فيها ألشيخ استعداد الفلسطينيين للانتحار.  

ايضا قصة انتحار جماعة من مقاتلي تمرد غيتو وارسو في 1943 تحولت الى قصة بطولة يهودية وصهيونية. حينما خرج أحد اعضاء حزب البوند، وهو من قادة التمرد ويسمى مارك أدلمان، ضد هذا الامر زاعما أنه لا يجب التضحية بالنفس من اجل الرموز، تم التهجم عليه في اسرائيل وقيل إنه يخون الذاكرة القومية. لكن قصة الانتحار في المخبأ في شارع ميلا 18 هي بالضبط قصة موت من أجل رمز وذاكرة قومية. هذا ليس تقديساً للموت، بل اختيار الموت لدوافع الاحترام القومي وعدم وجود البديل.  

إن هذه الطاقة الكامنة عند الفلسطينيين لا يستطيع ألشيخ رؤيتها. فهو لا يفهم أن الصراع القومي للشبان الفلسطينيين تحركه خيبة الأمل وغياب الفائدة بسبب الاحتلال والقمع الذي لا ينتهي. هذا ما يجعلهم يذهبون للموت وهم يحملون سكين المطبخ في وجه الجنود المسلحين. في هذا الامر لا يوجد فرق بينهم وبين أي مقاتل يفضل الموت على حياة القمع والاهانة.   

  تعود حوطوبلي الى الايديولوجيا العنصرية الكولونيالية التي اختفت منذ زمن من العالم، مثل الكولونياليين البريطانيين والفرنسيين في القرن التاسع عشر. وهي تحاول القول إن اليهود يأتون بالحضارة والتقدم معهم.  في العام 1884 برر غولا بيري، وهو من أبرز السياسيين في فرنسا، الكولونيالية بقوله: «علينا القول بشكل علني إن اصحاب الاعراق العليا والمتفوقة هم اصحاب الحق الاكبر بالمقارنة مع الاعراق المتدنية... للاعراق المتفوقة الحق والواجب في تثقيف اصحاب الاعراق المتدنية. في تاريخ القرون التي مرت لم يتم فهم هذه الواجبات بالشكل الصحيح، لا سيما حينما استخدم الجنود الاسبان العبودية في أميركا الوسطى. فهم لم يؤدوا واجبهم كجنس متفوق... يوجد حق للدول الاوروبية بالتصرف بسخاء ومصداقية من اجل تطبيق واجب التثقيف».  

لقد عُرف بيري باصلاحاته المتقدمة التي أدت الى فرض التعليم الالزامي الحكومي المجاني في فرنسا. وحسب رأيه هو لم يكن عنصريا بل رأى التناقض بين تشريع اجتماعي متقدم وبين العنصرية الكولونيالية. لا تعرف نائبة الوزير حوطوبلي أن موقفها يستند الى نظرية عنصرية. ولو عُرضت هذه النظرية في الوقت الحالي في العالم فانها ستثير الغضب والتحفط. فبالنسبة لها الفلسطينيون هم مثل الاولاد البرابرة في المغرب أو السود في السنغال. حسب موقف غولا بيري، يجب احترامهم، أي عدم تحويلهم الى عبيد. ولكن يجب تثقيفهم وإيصال الحضارة اليهم ومنحهم اماكن عمل بأجر متدن، في صالح المستوطن اليهودي الذي قام باقتلاعهم. أما رؤيتهم كشعب يناضل من اجل تقرير مصيره القومي؟ ما الذي حدث. لا يوجد احتلال. لا توجد مشكلة كهذه للفلسطينيين في «المناطق». يمكن أنهم بحاجة الى مزيد من الوقت حتى يفهموا كم هو جيد لهم العيش تحت الحكم الإسرائيلي.  

ألشيخ وحوطوبلي يجلسان في زوايا اتخاذ القرارات في اسرائيل. وهما وأمثالهما يستندون الى هذيانات عقائدية وقيم لا يعرفون الى أي حقبة تاريخية تنتمي. وبالنسبة لهم كل عامل نظافة فلسطيني في مصنع في «المناطق» هو برهان على تنور الاحتلال الاسرائيلي. وكل شاب أو فتاة يتم افراغ مشط الرصاص في جسميهما هما اصوليان اسلاميان يبحثان عن الانبعاث من خلال الموت.

عن «هآرتس»