أمام لحظة الحقيقة لا بد من قرار تاريخي بمستواها

ugr5e.jpg
حجم الخط

بقلم هاني المصري

قرار الحكومة الإسرائيلية باجتياح ما تبقى من قطاع غزة بشكل متدرج، بدءًا من مدينة غزة ثم التوسع نحو احتلال القطاع بأكمله، لا يُمكن قراءته كخطوة عسكرية محدودة أو مجرد تكتيك تفاوضي، بل هو قرار ذو أبعاد استراتيجية تعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية: أولًا، دافع أيديولوجي صهيوني متطرف يعكس جوهر المشروع الاستعماري الصهيوني القائم على الإبادة والاحلال والفصل والتطهير العنصري والضم والتهجير والاستيطان. ثانيًا، أهداف استعمارية عنصرية تتجاوز بكثير الأهداف المعلنة للحرب، وتهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية برمّتها وتغيير الشرق الأوسط. ثالثًا، حاجة سياسية داخلية تتعلق ببقاء الحكومة الإسرائيلية، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن الائتلاف الحاكم سيفقد نحو ثلث مقاعده في حال أجريت الانتخابات الآن. انطلاقًا من ذلك، فإن قرار احتلال غزة ليس تكتيكًا تفاوضيًا، كما يحاول البعض تصويره، بدليل المواقف التي عبّر عنها الوسطاء القطريون والمصريون الذين أكدوا أن الاتفاق على الصفقة كان ينتظر اللمسات الأخيرة إلى أن استدعت واشنطن وتل أبيب وفدي التفاوض ورفضت اعادتهما، بل هو جزء من خطة طويلة الأمد تتطلب ردًا بحجم التهديد. ومن الممكن إفشال هذا القرار وإجبار الاحتلال على وقف الحرب، في حال تحققت عدة شروط، أبرزها: رد فعل فلسطيني وعربي وإسلامي ودولي بمستوى اللحظة التاريخية، يشمل الضغط على الولايات المتحدة، وخاصة إدارة ترامب، لوقف دعمها غير المشروط للحرب الإسرائيلية. تصاعد الخلافات الداخلية في إسرائيل واتساع الهوة بين مكوناتها السياسية والأمنية. استمرار وتوسّع المقاومة الفلسطينية وتكبيد الاحتلال خسائر فادحة على الأرض. أو في حال استسلام حماس والفصائل الفلسطينية، وهي فرضية لا تعني بالضرورة نهاية الحرب أو توقف مخطط تصفية القضية، بل قد ستتخذ الحرب أشكالًا أخرى أخطر. حتى في حال توقف المعارك العسكرية، قد يتحول المخطط إلى حرب "ناعمة"تقوم على: إذكاء الفتن الداخلية والصراعات المحلية، إحداث فوضى مرتبطة بتوزيع المساعدات، تشجيع الجريمة، ونشر العنف والمخدرات، خلق بيئة طاردة بمواصلة العمل لجعل قطاع غزة منطقة غير صالحة للحياة تمهّد للتهجير والاستيطان والضم، سواء في الضفة أو القطاع أو الداخل.. إننا نواجه لحظة مصيرية فارقة، تتطلب قرارات وطنية تاريخية بمستوى التهديد الوجودي الذي نواجهه. وأول هذه القرارات يجب أن يكون هناك بلورة رؤية سياسية موحدة ورد شامل ومتكامل، يقوم على: إنجاز الوحدة الوطنية أو التوافق الوطني الفعلي، على أساس برنامج نضالي مشترك وشراكة حقيقية، إجراء انتخابات على كل المستويات عندما يكون ذلك ممكنا تحت مظلة منظمة تحرير واحدة، وسلطة واحدة، وقيادة واحدة، وسلاح واحد، وتشكيل وفد تفاوضي واحد بمرجعية وطنية متفق عليها على الأقل في هذه المرحلة الحرجة. ولا يجوز التسليم بحالة الانقسام واستحالة انهائه، أو القبول بالآراء التي تزعم باستحالة توحيد حركتي فتح وحماس بسبب الخلافات العميقة والمصالح المتباينة. فالتاريخ مليء بأمثلة عن توحد حتى الأعداء لمواجهة خطر وجودي مشترك، والمخطط الصهيوني اليوم يستهدف الجميع بلا استثناء: الأرض، والشعب، والهوية، ومصادرة الحاضر والمستقبل. ومن الأدلة الحديثة التي تؤكد المخاطر وتُبرز الحاجة للوحدة، قرار الحكومة الإسرائيلية بتشكيل إدارة خاضعة للاحتلال في قطاع غزة، تهدف إلى فرض السيطرة الإسرائيلية المباشرة دون وجود أي سلطة، لا لحماس ولا لمحمود عباس، ما يعني شطب التمثيل الفلسطيني تمامًا. إنها لحظة الحقيقة. ويجب أن نواجهها بقرار تاريخي يعيد الاعتبار لقضيتنا وشعبنا ومستقبلنا الوطني.