كيف يمكن أن نحاكم فعل حركة حماس التي سلمت لبنيامين نتنياهو تلك الانتصارات بعد أن كنا ننتظره مصفداً في زنزانته ينظر للصورة الأخيرة في ألبومه السياسي، ويخرج من التاريخ مكللاً بهذا العار الذي يليق بتلك السيرة وبتلك الأسرة.
لا نشكك بنوايا حماس ولكن الطريق إلى جهنم كما يقولون معبدة بالنوايا الحسنة. وأي جهنم جرّتها حماس على نفسها وعلى شعبها وعلى محورها الذي أضاعت درته الأمين العام لحزب الله والحزب نفسه وإيران وفوق ذلك يتبجح نتنياهو بتحطيم سورية وتغيير نظامها لكن الأكيد أن الجيش العربي السوري قد تم تدميره على يد إسرائيل خلال ثمانٍ وأربعين ساعة في أكبر حلم تاريخي يتحقق على يد نتنياهو بعد حلم تحطيم البرنامج النووي الإيراني.
في الأسبوع الأخير ظهر بنيامين نتنياهو كأنه يبلغ ذروة جنون السياسيين الذين مروا على صفحات التاريخ وتركوا على وجهه كل تلك الندوب، وليس صدفة أن الأكثر شهرة في التاريخ ومحركيه كانوا يحملون قدراً من الأمراض النفسية ونتنياهو واحد منهم بشهادة جهاز المخابرات العامة الشاباك الذي قام مرتين الأولى العام 1996 عند فوز نتنياهو لأول مرة في الانتخابات والثانية العام 2018 بتكليف علماء نفس من الجامعات العبرية بدراسة الجانب السيكلوجي لبنيامين نتنياهو ليخلصوا منذ أول مرة بأنه نرجسي وله أنا متضخمة وغير متوازن ولا يحتمل الفشل ومغرور إلى حد لا يرى في إسرائيل غيره يصلح للعمل السياسي. ويبدو أن المرض لديه في الآونة الأخيرة تضخم ليعلن نفسه مكلفاً «بمهمة روحية من أجل إسرائيل».
قد يختلف علماء النفس على توصيف المصطلح، جنون أم هذيان.
تسببت عقدة نابليون كرجل قصير القامة بإراقة ما يكفي من الدم ومثله بسمارك وموسوليني فقد كانت العقد النفسية لكثير من السياسيين تتحكم بمسار التاريخ وحجم الدم.
أما عن عقد الزعماء العرب وقادة الأحزاب في فلسطين فتلك رواية أخرى ...كان أول كتاب نشر للصحافي الكبير محمد حسنين هيكل منتصف خمسينيات القرن الماضي بعنوان «العقد النفسية للشرق الأوسط» ربما يفكك جزءا من أسرار حركة التاريخ في المنطقة والآن على الفلسطيني أن يدفع ثمن العقد النفسية لنتنياهو.
بدلاً من أن تتركه حركة حماس للشارع الإسرائيلي وللقضاء والمحاكمة قدمت له لحظة تاريخية ليغير وجه الشرق الأوسط.
وها هو يفعل ومن السذاجة القول إن نتنياهو كان سيفعل ذلك بكل الأحوال في محاولة لتبرير توفير الفرصة ففي لحظة ما تُحدد المناخات الدولية إيقاع الحركة السياسية والعسكرية.
وليست إسرائيل وحدها مهما بلغت قوتها. ففي الأسبوع الماضي انهارت الدفاعات الإسرائيلية أمام الحملة الدولية لتجويع غزة لترضخ صاغرة ما يعني أن أي فعل إسرائيلي هو القدر الذي تسمح به تلك المناخات.
نتنياهو الأب والابن والحفيد هم استمرار لعائلة مصابة بعقدة الاضطهاد وجنون العظمة، من جهة أولى يشعرون بأنهم ضحية الملاحقة والمؤامرة من قبل المجتمع الإسرائيلي ومن الناحية الأخرى لديهم شعور بعبقرية يستغرب جميع الإسرائيليين من أين يستمدونها، فالأب بنتسيون الصديق والسكرتير الشخصي لجابوتنسكي مؤسس اليمين اليهودي وهو البروفيسور في التاريخ اليهودي المحمل بإرث الملاحقة يعتبر نفسه أحد آباء إسرائيل لكنه عاش حالة النبذ في الأكاديميا الإسرائيلية ليرحل إلى الولايات المتحدة ومن هنا جاءت كراهية نتنياهو الابن للحقل الأكاديمي في إسرائيل انتقاماً للوالد شديد التطرف، هو نفسه الابن الذي نشر عنه البروفيسور شاؤول كيمحي أستاذ علم النفس في جامعة تل أبيب دراسة بعنوان «تحليل سلوك نتنياهو بعد ولايته الأولى» نشرت العام 2001 وبتحليل كمحي لمسار حياة نتنياهو كتب «كان نتنياهو نرجسياً ومتكبراً ومصاباً بجنون العظمة ويتصرف بشكل سيئ تحت الضغط».
أما الابن يائير والذي لم يظهر كثيراً بما يكفي للنظر لعقده النفسية، لكنّ هناك مؤشرات على جنون العظمة وعقدة الاضطهاد تبرز بين حين وآخر حين يكتب باحتقار عن قادة الدولة من رئيس المحكمة مروراً برئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي وصولاً لوريثه الحالي إيال زامير الذي اتهمه بالتحضير لانقلاب عسكري على أبيه، أما قادة المعارضة فلم يسلموا من احتقاره كان ليبرمان قد أعطى وصفاً لنتنياهو الصغير بالقول رداً على سؤال صحافي قائلاً: «لا يمكننا أن نأخذ كل طفل متخلف عقلياً على محمل الجد».
ولأن نتنياهو السياسي الهاذي لكنه يصنع حقائق وبفهم شخصيته ولأنه كما قال عنه أساتذة علم النفس لا يحتمل الفشل فقد بدا الأمر في غزة شديد التعقيد الذي سجل خلاله فشله الأكبر ليسعى بكل ما أوتي من سلاح لتحقيق نجاحة الأكبر باقتلاع غزة من جذورها وتهجير سكانها. فالتوقف عن هذه اللحظة وترك بقايا حماس هو الفشل الذي يخافه نتنياهو ولا يحتمله وعلى حماس أن تقرأ ذلك بعناية لذا تهرب على مدى اثنين وعشرين شهراً من أي صفقة تنهي الحرب وخوفه من الفشل سيجعله يتحدى العالم لاستمرارها مهما بلغت الضغوط.
وتلك ليست بشرى للفلسطينيين وحماس فهو يذهب أبعد من ذلك وفرصة لإقامة إسرائيل الكبرى أليست فرصة ؟.
وهو سياسي ماكر جاءته على طبق من جهل فلماذا لا يصنع التاريخ الإسرائيلي من جديد.
قطاع غزة خمس محافظات وقد تم تدمير ثلاث منها تدميراً كلياً وهي: رفح وخان يونس والشمالية، وتبقى فقط محافظتا غزة والوسطى وهما ما تم اتخاذ قرار الكابينت باجتياحهما، وكلمة الاجتياح هي تعبير مخفف عن السحق والتدمير.
يحاول الوسطاء مصر وتركيا وقطر تدارك الأمر قبل استكمال الجنون، كلهم في حالة استنفار سوى حماس التي تبدو كمن أحرق بيته وبينما الجميع مشغول بالإطفاء يقف على مسافة مشعلاً سيجارته يراقب الجميع كيف يحلّون المشكلة .... لكن الأهم هو توفير تلك الفرصة لتسيد إسرائيل وتدمير المنطقة وتلك رواية التاريخ غداً.