غزة تتفوق على ستالينغراد وهانوي

image_processing20250803-1802975-xi663z.jpeg
حجم الخط

بقلم راسم عبيدات

غزة تفوقت على ستالينغراد وعلى هانوي في المقاومة والصمود، رغم كل حجم الدمار والخراب والقتل والتجويع والإبادة الجماعية، تدمير ما مجموعه 88% من المباني والمرافق الحيوية فيها،  شهداء وجرحى ومفقودين تجاوزت أعدادهم 230أ لف شهيد وجريح ومفقود.

ما أنا واثق منه بأن "طوفان" غزة ستكون من تداعياته،  أنه سيكون قاطرة نحو ولادة نظام عالمي جديد،  أكثر عدلاً وانسانية من نظام "التغول" و"التوحش" الرأسمالي وعولمة القتل وإبادة الشعوب وقتلها ونهب خيراتها وثرواتها والتدخل في شؤونها الداخلية،  تحت حجج وذرائع نشر الديمقراطية والتخلص من الديكتاتورية واسلحة الدمار الشامل،  تلك الأكذوبة التي استخدموها في العراق من أجل احتلاله وتدميره،  نفس النموذج استخدم في ليبيا،  الآن يسعون لتطبيقه على إيران.

غزة تبطل مفعول نظريات العنصرية والتفوق العرقي،  لفوكاياما "نهاية التاريخ" وصموئيل همنغتون "صراع الحضارات"،  فهم لا يرون فينا وفي شعوب العالم الثالث، سوى شعوب بشرية متخلفة ومتوحشة غير قابلة للتحضر، بأن الله اصطفاهم من اجل ذبحنا، هذا الذبح والتخلص منا، لكي يعم الأمن والاستقرار في العالم، يتربع على عرشه مصاصو الدماء وتجار الصفقات والعقارات، الذين لا يرون في الشعوب سوى "سلع" يجب الدوس عليها والتخلص منها في سبيل مصالحهم.

غزة تقاتل بلحم ابنائها، غزة تقول صحيح بأن بشرتنا ليست بيضاء ولا عيوننا زرقاء ولا شعرنا أشقر، كما هو الحال في اوكرانيا، لكي تهبوا الى نجدتنا ووقف جرائم الإبادة والتجويع بحقنا، لكن غزة لن تستسلم ولن ترفع الراية البيضاء، ففيتنام فيما عرف بحرب أيام عيد الميلاد الأحد عشر في عام 1972، ألقت الطائرات القاذفة الأمريكية العمالقة" بي 52" عليها 2 مليون و700 الف طن من القنابل خلال 126000 غارة، قتلوا فيها ربع مليون انسان، لكن في النهاية هانوي تحررت، هي إرادة الشعوب الحية، لا يهزمها لا تغول ولا توحش ولا إجرام.

غزة توزع عزة وكرامة على كل دول وشعوب العالم، هي تقول للعرب والمسلمين، أليس نحن منكم وأنتم منا، فلماذا كل هذا الخذلان والجحود والتآمر علينا، التنكر لكل وشائج العروبة والقومية والدين والدم واللغة والتاريخ والجغرافيا، ألم يحرككم لحم الأطفال المشوي بعمليات القصف والتدمير ..؟؟، ألم يحركم موت الأطفال جوعاً....؟؟ ألم تحرككم مناظر وصور الأباء والأمهات، وهم يخاطرون بحياتهم، لكي يحصلوا لأطفالهم الرضع والجوعي على علبة حليب او كيس من الطحين...؟؟

غزة أعادت للقضية الفلسطينية وهجها، جعلتها العنوان الرئيسي في كل المحافل الدولية، أصبحت الساحات والمدن والعواصم الأوروبية تعج بالمتظاهرين والمحتجين المطالبين بوقف جرائم الإبادة وحرب التجويع بحقها، باتت العواصم الأوروبية، المؤيدة لدولة الاحتلال والداعمة لها، تواجه ضغوطاً شعبية، لكي تتخذ مواقف من جرائم ومجازر الإحتلال، اتخاذ عقوبات بحقها، في ظل شعور دولي متنامي، بأن اسرائيل تريد ان تقضي على أي فرصة لحل الدولتين، جدنا الكثير من الدول الأوروبية الغربية، منها فرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا واستراليا وبريطانيا وسلوفانيا وايرلندا وايسلندا، تعلن بأنها ضد توسع حرب الإبادة على قطاع غزة، بأنها ستعترف بالدولة الفلسطينية في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة.

دولة الاحتلال باتت تعاني من حصار عالمي وعزلة سياسية، تنامي الدعوات لفرض عقوبات عليها، على خلفية حربها التجويعية على قطاع غزة، في ظل استمرار موت الأطفال بسبب نقص الغذاء والموت امام ما يعرف بالمؤسسات الإنسانية الأمريكية ومراكز توزيعها، التي تحولت لمصائد موت،  توظيف المساعدات لخدمة اهداف عسكرية وسياسية وأمنية، هندسة" للجوع والفوضى".

لم يعرف التاريخ البشري لا بقديمه ولا بحديثه ما تعرض له قطاع غزة من قصف ودمار وخراب وقتل وتدمير، وهذا لم يحدث حتى في جرائم النازية في الحرب العالمية الثانية، ما ألقي على القطاع من أطنان متفجرات وقنابل يعادل ثمانية اضعاف قوة القنابل الذرية التي القيت على ناغازكي وهيروشيما اليابانيتين، لكن الفرق هنا بأن اليابان قد استسلمت بعد القاء القنابل الذرية الأمريكية على مدنها، في حين غزة ذلك الشريط الجغرافي المحاصر، لم ترفع الراية البيضاء ولم تستسلم، لسان حالها يقول بأن كلفة المقاومة أقل من كلفة الاستسلام، رغم كل القتل والدمار والخراب وتحول القطاع الى منطقة غير قابلة للحياة.

الصمود الفلسطيني والخروج والانبعاث من تحت الرماد والدمار، أفشل كل المشاريع والمخططات الإسرائيلية، من خطة الجنرالات، الى عملية "عربات جدعون" وخطة الطرد والتهجير وغيرها، لم تفلح اسرائيل، رغم كل غطرسة وعنجهية نتنياهو وبن غفير وسموتريتش ومن لف لفهم، في تحقيق اهداف العدوان بحدها الأدنى استعادة الأسرى بدون تفاوض ونزع سلاح حماس والمقاومة، لا تحقيق اهداف الحد الأقصى السيطرة الأمنية وعمليات الطرد والتهجير القسري.

 الصمود الفلسطيني وتجربة القطاع، ستدرس في الكليات العسكرية ومراكز الدراسات الإستراتيجية، بأن دولة تصنف عسكرياً بأنها القوة الأولى على صعيد المنطقة والإقليم والرابعة على صعيد العالم، ما تمتلكه من ترسانة عسكرية، إمكانيات تكنولوجية واستخبارية ومخابراتية وتجسسية، تعجز طوال 22 شهراً في حرب مستمرة ومتواصلة على القطاع، استخدمت فيها كل فائض قوتها العسكرية والإقتصادية والأمنية والإستخبارية، تعجز عن تحقيق نصر على مقاتلين ينتعلون " الشباشب " و"البوابيج"،  إمكانياتهم العسكرية والتسليحية قياساً الى جيش الاحتلال لا تقارن، لكن هناك فارق كبير، بأن منتعلي "الشباشب" و"البوابيج" يقاتلون عن عقيدة وايمان، يمتلكون إرادة ومعنويات، يدافعون عن حقوق شعب وينتمون لقضية، يراد تصفيتها من كل جوانبها، محو وطمس وجود شعبها.

نعم من يحارب اليوم في فلسطين – غزة وفي اليمن، هم منتعلو " الشباشب" و"البوابيج، في حين جيوش "البريستيج" والاستعراضات العسكرية العربية، أسلحتهم المستوردة من امريكا لتنشيط مصانع وشركات سلاحها تصدأ في مخازنها، او توظف في حروب تريدها امريكا لخدمة مصالحها.

من كان يتصور بأن منتعلي "البوابيج" و "الشباشب" قادرون على الحاق الهزيمة في امريكا، جعلها تنسحب من البحر الأحمر، تجبر على توقيع اتفاق مع اليمن، تنسحب فيه من حربها ضد اليمن، مقابل استمرار اليمن في حربها الإسنادية ضد"اسرائيل" واستمرار فرضها للحصار الاقتصادي على موانئها مؤازرة ومساندة لغزة، حتى يتوقف العدوان عليها، تفتح المعبر لإدخال المساعدات الإنسانية غذائية وطبية اليها، ليصبح اليمن لاعباً إقليميا ومقررا في الممرات المائية والبحرية.

غزة باتت مفتاح الحرب والسلام في المنطقة، غزة باتت لاعباً مركزياً في المنطقة والإقليم والعالم، قاطرة تغيير لنظام عالمي هيمنت عليه أمريكا لثمانية عقود، تقاتل بكل شراسة، لكي لا يستولد نظام عالمي جديد، يزيحها عن عرشها وتربعها على قيادة العالم، لذلك هي تمارس" كل أشكال التوحش" والتغول" وتشن كل أنواع الحروب اقتصادية وعسكرية وتجارية ومالية على مختلف دول العالم، لكي لا تخسر هيمنتها وسيطرتها