يا سيادة الرئيس، هناك تساؤلات عديدة تتردد على ألسنة من يختلفون معك من الخصوم، وحتى أولئك الذين يصطفون خلفك في الساحة الفلسطينية والحركة الوطنية، والذين ينتظرون منك، كونك الوحيد القادر الآن، اتخاذ موقف ينقذ ما يمكن إنقاذه، بعدما تصدعت جدران الوطن وتشظّت وجدانيات ساكنيه.
أعلم، يا سيادة الرئيس، أن "القلوب مليانة" ومثقلة بوجع ما جرى بيننا من مواجهات دامية، وأن هناك تراكمات من القيل والقال لا مجال لنبشها أو تحريك عُشّ دبابيرها. كما أن القطيعة بين حركتي فتح وحماس قد اتسع خرقُها على الراقع، غير أنّ كل ذلك يمكن تجاوزه في سياق الأمانة والمسؤولية الوطنية، من أجل مستقبل ما تبقى من أرض الوطن. وقديمًا قال أهل الحكمة: "إذا صدق العزم وضح السبيل."
سيادة الرئيس، هناك مقترح يمكن أن يجمع عليه شمل البيت الفلسطيني وأركان فصائله، بهدف استعادة مقود الفعل والحركة لدورهما التاريخي، بما يتيح لقوى الأمة العربية والإسلامية الحيّة أن تأخذ بزمام المبادرة، وتطرح رؤية لوقف حرب الإبادة، وقطع الطريق أمام نتنياهو ومخططاته في التهجير القسري وأحلام "إسرائيل الكبرى".
المطلوب اليوم، وفي ظل هذه الظروف الحرجة، أن تدعو إلى "قمة مصغّرة" تجمع دولًا محورية مثل: تركيا ومصر والسعودية والأردن وقطر والإمارات، وتُفوَّض هذه الدول بملفات وقف الحرب، والمساعدات الإنسانية، وترتيبات "اليوم التالي"، بحيث يكون لمنظمة التحرير الفلسطينية ومصر الدور الأكبر في إدارتها ووضع كل ما يتطلبه ذلك من ترتيبات.
يا سيادة الرئيس، إن حركة حماس تحتاج اليوم إلى من يأخذ بيدها. فإذا ما سقطت غزة، فلن تبقَ هناك سلطة فلسطينية، ولا مستقبل لما تشكّل باسمها من هياكل سياسية وإدارية ومؤسسات دبلوماسية وعلاقات دولية.
ومن هنا، وفي سياق المناشدة، تأتي أهمية هذا النداء لإخواننا في حركة حماس. إننا ندرك أن المؤامرة عليكم كبيرة، وأن سهام الاستهداف مركَّزة على غزة لتحطيم مشروع الدولة الفلسطينية برمته. وعليه، فإن مقتضيات اللحظة التاريخية والوجودية تستدعي منكم -استراتيجيًا- التجاوب مع أي تحركات وطنية يقودها الرئيس محمود عباس لترتيب خطوات المرحلة القادمة. إن المرونة في هذه المرحلة، ومنح الدور لغيركم من القوى الفلسطينية والدول العربية والإسلامية، كفيل بالتعجيل بوقف الحرب والتصدي لمشروع التهجير، وحماية ما تبقى من أرض الوطن. إن تجاوبكم مع هذه الجهود لن ينتقص من مكانتكم أو دوركم، بل سيُسجَّل لكم موقفًا وطنيًا يُحسب في ميزان التاريخ، ويُظهر حماس كقوة شريكة في مشروع الخلاص الوطني، لا كفصيل يُراد له أن يُستنزف في معركة غير متكافئة.
يا سيادة الرئيس.. إنَّ المسألة الآن تتطلب قراركم الحاسم، للقيام بعدة
اختراقات في المشهد السياسي المعقد، بالانفتاح على حركة حماس وتفهّم رؤيتها كفصيل فلسطيني شريك في مشروع الخلاص الوطني. كما أن دعوتك لهذه الدول العربية والإسلامية لتولي ترتيبات "اليوم التالي"، بما لها من ثقل ومكانة لدى الأمريكيين، هو السبيل لوقف أطماع نتنياهو الذي يشكل رأس الحربة في كل ما يجري من إبادة جماعية وتطهير عرقي في قطاع غزة، كمقدمة لتمهيد الطريق للتهجير القسري وتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى".
وفي الختام، الكرة في ملعبك يا سيادة الرئيس، والوقت يمضي سريعًا، فالمشهد يقترب من نهايته، وعندها لا ينفع الندم، ولات حين مناص!