خرج "الملك" كما لو أنه ردّاحة في حانة ، متهكما، متبجحا، بأنه تمكن من رقبة "أبو عبيدة"، وعلى ما يبدو لم يتبق أحد من حماس يعلن عن مقتله.
أول ما خطر في بالي جراء التصريح الردحي المنطوي على نزعة شماتة ثأر انتقامية مفعمة بغل الفاشلين والقاصرين، آخرها فشل الجدعون وعرباته ، مصير عشرين جنديا إسرائيليا محتجزين لدى حماس منذ حوالي سنتين، ماذا سيكون مصيرهم، و ما الذي سيحل بهم، اذا كانت حماس في غزة قد انتهت ؟
أبو عبيدة، وكما كان يقول، على لسان قادة حماس، ان حياتهم ليست أهم من حياة اصغر طفل يقتل في غزة، وقد ثبت ذلك بالفعل، فقد قدموا مع عائلاتهم أرواحهم ثمن جهادهم عند مذبح تحرير وطنهم الرازح تحت نير آخر احتلال في التاريخ المعاصر، خاصة أن المفاوضات أثبتت عبثيتها بل وعدميتها.
أبو عبيدة، لم يكن سوى ناطق عسكري، كما أي ناطق اعلامي، لا يبتدع ولا يخترع ولا يجتهد، ميزته الوحيدة انه كان يخرج مقنعا بالكوفية، انه أشبه بالرسول في زمن الحروب القديمة، حيث لا يجوز المس به بالقتل او الاعتقال او إساءة المعاملة ، وكما كان يقال "ما على الرسول الا البلاغ" . أما في الزمن الحالي المتحضر والمتمدن، فهو إعلامي يعكس ويمثل الجهة التي يمثلها ويخضع بالتالي لشروطها ومواصفاتها، قتله و النيل منه لا يعدّ إنجازا او اختراقا يتطلب كل هذا التهكم والتبجح والشماتة، الا لأنه أحدث لديهم هذا الكم الهائل من الغيظ، بصدقه، وبالأدق، صدق من يمثل، حتى وصل الأمر بجنودهم على حواجز الضفة وما أكثرها، البحث في هواتف الفلسطينيين، عن صورة له، كي تكون مبرر الاعتداء عليهم والتنكيل بهم .
واذا كان هناك من يختلف معي حول أبو عبيدة، فبالتأكيد ليس هناك من يختلف حول أنس الشريف، ومعه مئات الصحفيين، تم قتلهم لأنهم يكشفون الحقائق التي لا يحب الملك كشفها، ولذلك منع و ما زال يمنع أي صحفيين بمن في ذلك الأمريكيين من دخول غزة.
ان قتل الصحفيين مرتبط بقتل مئات الأطباء الممرضين، فهؤلاء من شأنهم معالجة الجرحى من المقاتلين. مرتبط بقتل مئات العاملين في مؤسسات حقوق الانسان والمنظمات الاغاثية والدفاع المدني والمطبخ العالمي، فهؤلاء من شأنهم الإغاثة والنجدة، مرتبط بقتل مئات المعلمين، فهؤلاء من شأنهم تعليم الناس ونشر الوعي لدى الطلبة، مرتبط بقتل عشرين ألف طفل، ووفق الحاخام الياهو العام الماضي بضرورة قتل كل أطفال غزة "من نقاتلهم اليوم هم أطفال الأمس" ، ووفق الحاخام رونين شالوف مؤخرا "الاستمرار في تجويعهم حتى الموت لأنهم ارهابيو الغد" . هذا لا يمنعنا من ان نشيد بمظاهرات تل أبيب ترفع فيها صور هؤلاء الأطفال، فيقوم حراس الملك بالاعتداء والبصق عليهم.