محاولة الاغتيال في الدوحة: رهان نتنياهو الخاسر

aac57ec2b3ab917b9541a226e90c25eb.jpeg
حجم الخط

بقلم مصطفى إبراهيم

 

 

 أعلنت حركة حماس فشل محاولة اغتيال استهدفت وفدها في العاصمة القطرية الدوحة، بينما سارعت وسائل إعلام إسرائيلية إلى تسريب تفاصيل العملية التي وُصفت بأنها إنجاز أمني واستخباراتي كبير. غير أن الضربة، مهما كانت نتائجها المباشرة، تحمل دلالات أبعد من مجرد استهداف تقني، فهي تكشف حدود الرهان الإسرائيلي على سياسة الاغتيالات، كما تفضح هشاشة الموقف الأميركي في التغطية على حرب الإبادة.

وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي، نقلاً عن مصدرين أمنيين، أنهم “غير متفائلين بنجاح” عملية اغتيال قيادة حماس في قطر. فيما لمح رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق عاموس يادلين إلى فشل اغتيالات الدوحة، في أول اعتراف غير مباشر بعد موجة التباهي التي صدرت الليلة الماضية.

وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس صرح صباح الأربعاء: “إن لم تقبل حماس شروط إسرائيل لإنهاء الحرب، وعلى رأسها الإفراج عن جميع المختطفين ونزع السلاح، فسندمرها وتصبح غزة خرابًا”. لكنه لم يصف الهجوم في الدوحة بالناجح، ما يعزز الشكوك حول نتائجه.

العملية لم تكن الأولى ضد قيادات حماس في الخارج، لكنها اكتسبت خصوصية من كونها استهدفت اجتماعاً قيادياً خُصص لمناقشة المقترح الأميركي الأخير بشأن صفقة الأسرى. هذا التوقيت دفع محللين للاعتقاد بأن الغارة لم تكن سوى محاولة لاستدراج الوفد المفاوض وقتله، لا خطوة لفتح مسار سياسي جديد. ترامب نفسه تحدث عن “إنذار أخير” وجّهه لحماس، فيما كشفت القناة 12 وموقع “أكسيوس” أن المقترح الأميركي لم يكن خطة لاختلال غزة كما يطمح نتنياهو وكاتس، بل صيغة جزئية لتبادل الأسرى.

بهذا المعنى، يظهر أن ما يسمى “المفاوضات” ليس أكثر من أداة لتغطية الاغتيالات وإطالة أمد الحرب، وهو نهج استخدم سابقًا ضد أطراف أخرى: اغتيال حسن نصرالله أثناء انتظار رد تفاوضي، وضرب إيران قبيل جلسة محادثات مباشرة.

اسرائيلياً، واصل نتنياهو وكاتس تصوير الضربة كـ”إنجاز كبير” يعزز فرص تحقيق النصر. لكن محللين عسكريين أشاروا إلى أن هذه اللغة الدعائية لا تخفي الخطر المباشر على مصير الأسرى الإسرائيليين، الذين تزداد حياتهم تهديداً مع كل عملية اغتيال أو توسع بري. كبار المسؤولين الأمنيين، وعلى رأسهم رئيس الأركان أيال زامير، شددوا قبل أسابيع على أن التقدم في ملف الأسرى أجدى من مغامرة الاحتلال الشامل للقطاع. كما حذّر مسؤول ملف الأسرى نيتسان ألون من أن أي عملية برية واسعة ستضاعف المخاطر على المحتجزين.

إلى جانب ذلك، أثارت الضربة توتراً سياسياً مع قطر، الدولة التي تُعد الوسيط الأبرز في أي تفاوض. ترامب قال إنه أبلغ الدوحة مسبقاً، بينما نفت الأخيرة مؤكدة أنها أُخطرت بعد التنفيذ. هذا التضارب يثير تساؤلات حول ما إذا كانت قطر قد سرّبت معلومات لحماس، وهو ما قد يفسر فشل العملية، خاصة مع تقارير تحدثت عن مقتل حراس قطريين خلالها.

في المحصلة، لم تغيّر العملية كثيراً في ميزان القوى. فهي لم تُضعف قيادة حماس بما يكفي لإجبارها على التنازل، ولم تفتح أفقاً سياسيا جديداً في الوقت الحاضر قد يتغير لاحقاً، لكنها أضافت مزيداً  من الغموض حول مستقبل المفاوضات، وربما عززت قناعة الحركة بأن كل مبادرة أميركية ليست سوى فخ. أما نتنياهو، فقد نجح  في رفع منسوب التوتر الإقليمي وزيادة عزلة إسرائيل، دون أن يواجه أي مساءلة أو عقاب دولي.

وفي ظل الغطرسة الإسرائيلية وانتهاكها جميع الأعراف الدولية والقانون الدولي الإنساني والدبلوماسية، تذهب اسرائيل بعيداً في زعزعة الاستقرار، بينما يقف العالم صامتاً أمام جرائمها. ومع ذلك، فإن اغتيال الدوحة لم يكن “إنجازًا” كما يدّعي قادة إسرائيل، بل مغامرة محفوفة بالمخاطر قد تقرّبهم من فشل سياسي أكبر، فيما يبقى الثمن الأفدح هو استمرار نزيف الدم الفلسطيني وتبديد أي أفق لحل تفاوضي حقيقي.

كما أظهر الهجوم هشاشة الموقف العربي وسهولة اختراقه، في ظل غياب قرارات حاسمة ضد إسرائيل تجعلها تدفع ثمناً سياسياً لعنجهيتها. لكن من الواضح أن هذا الحلم بعيد المنال، في ظل غياب إرادة عربية قادرة على وقف الإبادة وفرض كلفة حقيقية على الغطرسة الإسرائيلية.